مقالات وتحليلات اقتصادية

الإقتصاد الإسلامي عند الحنفية والمذهب الحنفي

1 تعليق واحد
عدد المشاهدات 2,982 مشاهدة

الأئمة المؤسسون للإقتصاد الإسلامي هم الإمام الأعظم أبو حنيفة وتلميذيه الإمام أبي يوسف القاضي والإمام أبي عبد الله محمد الشيباني.

كثيرا ما كنت اقلب وجوه الرأي وأعاني من اعتلاج الأفكار وتضاد الخواطر… عندما كنت أتأمل مذهباً فقهياً سبرته الأيام وصقله القضاء على مدى 13 عشر قرناً…. إنه المذهب الحنفي… يطل من على رأس هرم هذا المذهب ثالوث اقتصادي مخضرم لم أرى له نظيرا في المذاهب والملل…. وليس هذا تعصبا بل هو الحق الذي لا جمجمة فيه…

الإمام الأعظم النعمان بن ثابت (أبو حنيفة) رأس المدرسة الاقتصادية الحنفية

الإمام الأعظم هو تاجر وإمام مجتهد مطلق…. حنيفي في معاملاته، جواد في عطائه معلم رباني بين تلامذته… فكر وقاد، وقريحة متوقدة لا تفتأ تبض بالأفكار الفريدة والآراء المستجدة التي عيب على الفقه الحنفي يوما ما من أيام التعصب المذهبي في عصر من العصور افتراضها، لكن الزمن اثبت اليوم كم هو هذا التراث الافتراضي هام وضروري ليستقيم نهج الفقه ويواكب العصرنة والتقدم.

اقتصاديات أبي حنيفة سليل العائلة الاقتصادية

تاريخ العائلة النعمانية تاريخ اقتصادي حافل إذ أن والد الإمام الأعظم (ثابت) كان يعمل بزازاً – تاجر أقمشة وثياب- فورث الإمام أبو حنيفة هذه المهنة الاقتصادية عن والده حتى أصبح ماهراً فيها. ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث بالكوفة [أخبار أبي حنيفة وأصحابه, ص/1/]. بدأ الامام منذ نعومة أظافره يذهب مع أبيه إلى متجره حيث كان يلازمه ويتعلم منه أصول وأسس التعامل مع البائعين والمشترين، وتابع خطى أبيه و حافظ على نفس المستوى الاجتماعي الذي عاشته الأسرة من قبل، في رخاء وبحبوحة وكان له شريك في متجره يساعده.

ورغم عمله بالتجارة فإنه كان منجذباً للعلم منذ سنين صباه الأولى، وكان دائم البحث والتعلم ولعل انطلاقة الإمام الكبرى نحو العلم والتفقه كان مبعثها والمحرض عليها ما كان عليه الإمام منذ صغره حيث كان يعكف على الاهتمام بتجارة أبيه حتى حصلت له قصة طريفة: ((فقد لقيه الإمام الشعبي وهو لا يزال صبيا يافعاً فتوسم فيه العلم والقيادة وقال له إلى من تختلف ؟ قال أبو حنيفة: السوق، فقال الشعبي: لم أعنى الاختلاف إلى السوق، وإنما عنيت الاختلاف إلى العلماء ، فقال: أن قليل ، قال الشعبي: لا تفعل وعليك بالنظر في العلم ومجالسة العلماء فإني أرى فيك يقظة وحركة. قال الإمام أبو حنيفة: “فوقع في قلبي فتركت الاختلاف إلى السوق وأخذت العلم فنفعني الله بي” )).
استمر في العمل بالتجارة بعد وفاة والده، فكان من كبار تجار بغداد وكان أبو حنيفة يجمع أرباح السنة عنده فيشتري منها حوائج المحدثين وأقواتهم وكسوتهم وجميع لوازمهم، ثم يدفع باقي الدنانير من الأرباح إليهم، ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله، فإني ما أعطيتكم من مالي شيئاً، ولكن من فضل الله عليّ فيكم.

وكان شديد الحرص في الكسب ولا يقبل غير الكسب الحلال فكان يقول: أفضل المال الكسب من الحلال وأطيب ما يأكله المرء من عمل يده.

نشأ النعمان تاجراً مثل أبوه وجده لكننا لسنا أمام تاجر مثل كل التجار بل تاجر صدوق أمين يحن على الفقراء. جاءته امرأة بثوب من حرير تبيعه فقال كم ثمنه؟ قالت: مائة، قال: هو خير من ذلك بكم تقولين؟ فزادت مائة، قال: هو خير من ذلك حتى قالت أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، قالت: تهزأ بي؟ قال: هاتي رجلا ً يقومه فجاءت برجل فاشتراه أبو حنيفة بخمسمائة.
الامام الاعظم (مصداقية اقتصادية مطلقه)

التاجر الصدوق

من نظر إلى الإمام أبي حنيفة من منظور اقتصادي بحت رأى فيه قامة اقتصادية شامخة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ومن نظر إليه من زاوية الدين المعاملة رأى فيه قمة الأخلاق في التعامل على صعيد البيع والشراء وكان برهانا صادقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «التاجرُ الصدوقُ يُحشَرُ يَوْمَ القيامةِ مَعَ النَّبيينَ والصّدّقينَ والشُّهداءِ»[سنن الترمذي – (3 / 515)]، وما ذاكَ إلاّ لأَجْلِ ما يلقاهُ منْ مُجاهَدَةِ نَفْسِهِ وهَواهُ وقهرِها على إجراءِ العقودِ على الطريقِ الشرعيِ وإلاّ فلا يخفى ما توعَّدَ اللهُ به مَنْ تَعَدَّى الحدودَ. وهو بشارةٌ لِمَنْ تَعاطى التّجارةَ واتَّقى اللهَ بِتَجَنُّبِ ما حرَّمَ اللهُ تعالى مِنْ أنواعِ التِّجاراتِ المحرَّمَةِ والخِيانَةِ والغَشّ والتَّدْليسِ، والْتَزَمَ الصّدْقَ في وَصْفِهِ لبِضَاعَتِهِ وسِلْعَتِهِ وفي إخبارِهِ بالثَّمَنِ، بشارةٌ لَهُ بأنَّهُ مِنَ الذينَ لا خوفٌ عليهمْ ولا هُمْ يَحْزَنونَ.

أتته امرأة عجوز فقالت له: إني ضعيفة وإنها أمانة فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك قال خذيه بأربعة دراهم فلما تعجبت المرأة قال لا تستغربي إني اشتريت ثوبين فبعت أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم فبقي هذا الثوب على أربعة دراهم.

وهذا النموذج الاقتصادي النادر الذي تصوره لنا هذه القصة ما هو إلا منتهى الأخلاقية في التعامل التي لا تقبل الفحش في الربح لا بل تنأى بنفسها عن الاحجاف بالمستهلك الفقير وتتنزل معه إلى مستويات دنية (مستواه المادي) من حيث القبول بأدنى ربح يستقيم معه ثمن السلعة وتتسامى عن غبن المستهلك.
وذات يوم أعطى شريكه متاعاً وأعلمه أنَّ في ثوب منه عيب وأوجب عليه أن يبين العيب عند بيعه، لكن شريكه باع المتاع ونسي أن يبين ولم يعلم من الذي اشتراه، فلما علم أبو حنيفة تصدَّق بثمن المتاع كله.

وهذا الأمر يلمس منه حرص الإمام الشديد على أن يكون ريع بيوعه ومتاجرته حلالا خالصا لا تشوبه شائبة شبهة فضلا عن كسب حرام. فكان تحلله من رأس المال وربحه والتصدق به – وهو من مبادئه الاقتصادية الصميمة – التي ربما سيكون لنا معها وقفات فيما يستقبل من مسائل في هذه الدراسة- أفضل الحلول الاقتصادية عند مظنة ورود هكذا مخاطر.

الأئمة الحنفية اقتصاديون بطبعهم وابرزهم الإمام القدوري إمام في الفقه والصنعة

صناعة القدور لم تقلل من شأنه كإمام بز أهل عصره من رواد الفقه حتى غدت كتبه تقرأ رجاء بركتها عند حلول الأوبئة ونزول الخطوب باستقراء كثير من أسماء أئمة المذهب الحنفي نجد أن أغلب علماء المذهب الحنفي ينسبون لتسميات اقتصادية (مهن وصناعات وتجارات وحرف) كان يديرونها ويتمرسون بها مما يعني أنهم كانوا متلبسين بهذه الصنائع والمعاملات الاقتصادية والبيوع وغيرها. و كانوا على دربة كبيرة بفنونها، وعلى اطلاع واسع بأفق البيع والشراء في الاسواق، وعلى قدر عظيم بفهم حركة ورواج الأموال وكسادها حتى أن الناظر في مسائل النقود والزيوف والدراهم والدنانير كما أوردوها في متون وشروح كتب المذهب يرى كيف يستحضر الواحد منهم (من أمة المذهب الحنفي) مسائل وواقعات فتاوى عصره ويشرحها ويظهر فهمه لها وفقهه لهذه الوقائع الاقتصادية الحاصلة في زمانه (تسمى حادثة فتوى) وهذا إن دل على شيء يدل على مدى انخراط أئمة المذهب اقتصادياً في حركة المعاملات واقتصاديات الناس في عصرهم وكيف أنهم كانو على قدر من الخبرة الحقيقية بممارسة الصنعة.

ومن هؤلاء الأئمة الاقتصاديون الإمام القدوري، المولود سنة 362هـ والمتوفى سنة 428هجرية، فقد نسب هذا الإمام المقدم في المذهب الحنفي إلى صناعة القدور [الفوائد البهية في تراجم الحنفية , ص/57/]. وذلك بمقتضى طبيعة عصرهم وسمته حيث ينبغي أن يكون للمرء مصدر رزق حلال ولو كان كفافاً، ولا ضير أن يكون ذلك العمل بسيطاً ومتعباً كصناعة القدور وبيعها، فعلى الرغم من صعوبة هذه الصنعة فقد وفق الإمام القدوري بصورة مدهشة بين عمله الصعب والمضني وبين دراسته للفقه وطلبه للعلم وتدريس تلاميذه فيما بعد وتخصيص جزء من وقته للتصنيف والتأليف حتى خرج علينا هذا الإمام بأسفار عظيمة منها متن متين من متون المذهب الحنفي طارت بها الركبان، لا بل لمتانتها اعتبر مشايخ أهل هذا العصر أن من لم يقرأ متن القدوري فقد فاته من الفقه الحنفي الشيء الكثير.

الكاتب: حسام عبد الله
المصدر: مركز ابحاث فقه المعاملات الإسلامية

وسوم: أبو حنيفة, أعلام حنفية ماتريدية, اقتصاد اسلامي, الحنفية, المذهب الحنفي, سيرة الإمام أبي حنيفة, منهاج الحنفية

مقالات مشابهة قد تعجبك!

1 تعليق واحد
هل كان بإمكان الرسول عليه الصلاة والسلام القتل على الشبهة ؟!
الإمام أبو الحسين أحمد القدوري البغدادي الحنفي

1 تعليق واحد. Leave new

  • بشير عمر صالح محمد/ جمهورية مصر العربية/ القاهرة/ حى السيدة زينب.
    14 يناير، 2017 3:40 صباحًا

    ليس هناك أبلغ من القول أن موقع «مسجد صلاح الدين» هو موقع محترم، على الشبكة الدولية للمعلومات. تقريبا إلى الآن 85 ملف جمعتهم عن أبى فى الإسلام، الإمام الطيب أبى حنيفة النعمان-رضى الله تعالى وتبارك فى علاه عنه وعن التابعين. وصلى الله وسلم على رسول الرحمة المبعوث رحمة للعالمين، سيدى وسيد الخلق أجمعين، نبينا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم. والله إن العين لتدمع بالحنين لعصر الحق والحزم والعدل والانضباط-عصر رسولنا الكريم والتابعين. والمشهد العربى الحالى أمامكم لا يسرُّ عدواً ولا حبيب. رقميات قاعدة بيانات موقع سيدنا صلاح الدين رحِمه الله رحمة واسعة، منضبطة تماما ك، فالشكر كل الشكر لكم أسيادنا أجمعين.

    رد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الإقتصاد الإسلامي عند الحنفية والمذهب الحنفي

الأئمة المؤسسون للإقتصاد الإسلامي هم الإمام الأعظم أبو حنيفة وتلميذيه الإمام أبي يوسف القاضي والإمام أبي عبد الله محمد الشيباني. كثيرا ما كنت اقلب وجوه الرأي وأعاني من اعتلاج…