هل كان بإمكان الرسول صلى الله عليه وسلم القتل على الشبهة ومن يعلن الإسلام وهو منافق ؟!
موقف النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين(3) – (60)
كان المنفقون يشاركون في حملات المسلمين ولم يعزلهم النبيمن الثابت تاريخياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخلْ في صراع مسلحٍ ضد المنافقين كما فعل مع القوى الوثنيةِ المشركة والقوى اليهودية رَغم كل ممارساتهم التخريبية، بل إنه صلى الله عليه وسلم حتى لم يعزلْهُمْ عن المجتمع الإسلامي باستثناء ما حصل في أعقاب غزوة تبوك حيث قاطعَهم النبيُ صلى الله عليه وسلم وأمرَ المسلمين بمقاطعتهم وعزلِهم.
حتى إنهم كانوا ينخرطون في الجيش الإسلامي ويشاركون في الجهاد في بعض الاحيان ولم يتخذ النبيُ صلى الله عليه وسلم تدبيراً يمنعُهم بموجِبِهِ من الحضور في ساحة الجهاد مع سائر المسلمين في الوقت الذي كان يعلمُ أنهم يفعلون ذلك إما تمهيداً للخيانة بالمسلمين وتسليمِهم إلى أعدائهم، وإما طمعاً في المال والغنائم.
والسؤال الذي يَطرح نفسَه هنا هو: لماذا لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم معهم في صراع مسلح ويقضي على حركتهم كما فَعلَ مع غيرهم من أعداء الإسلام؟ علماً بأن خطرَهم لا يقلُّ عن خطر اليهود والمشركين بل ربما يكون خطرُهُم أعظمَ إذا لاحظنا أنهم يعملون بالخفاء والسر داخلَ المجتمع الإسلامي. ثم لماذا يقبلُهُمُ النبيُ صلى الله عليه وسلم في جيش المسلمين مع أن ذلك يشكل خطراً على المسلمين؟ وإذا كان يمنع اليهودَ وغيرَهم من الكفار من المشاركة، فلماذا لم يتخذ تدبيراً معيناً يمنع به المنافقين أيضاً من الحضور إلى ساحة الجهاد والحرب مع المسلمين؟
والجواب عن هذه التساؤلات يتلخص في عدة نقاط:
أولاً: إن مشكلة المنافقين تكمنُ في أن هذه القوةَ المعادية غيرُ واضحةِ الانتماء والأهداف والانحراف، فهي قوةٌ مُندسَّةٌ في صفوف المسلمين، قَديرةٌ على الاستخفاء والتملصِ من أي عمل تخريبيٍ تمارسه، وهي فئةٌ وقِحةٌ إلى حد إنكار الجرم المتلبسةِ به والتفلُّتِ مما يَدِيْنُهَا، مما يجعلُ من أي عملٍ تخريبيٍ تنسِبُهُ إليها لا يعدو كونَه في الظاهر ولدى الرأي العام مجردَ تُهمةٍ مشكوكٍ فيها، فلم يكن بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم والحالُ هذه، أن يعاقبهم أو حتى أن يعزلَهم لأن ذلك سيفَسَرُ بأن النبي صلى الله عليه وسلم يُعاقبُ على التُهمة ويأخذُ بالظنّة ويَحصُدُ مئاتِ الرؤوس لمجرد الشكّ في أنها تتآمرُ على الإسلام والمسلمين.
ثانياً: إن المنافقين كانوا يتظاهرون بالإسلام، ويشهدون في اليوم خمسَ مرات بشهادة الإسلام، ويحضرون في المساجد، ويفعلون ما يفعلُهُ سائرُ المسلمين، وإنما يُحاسبُ الناسُ بحسب أعمالهم الظاهرة، وهؤلاءِ منافقون ظاهرُهُمُ المكشوفُ ظاهرٌ إسلامي على خلاف باطنهم وواقعهم، فكيف يمكنُ للنبي صلى الله عليه وسلم والحالُ هذه أن يعاقبَهم أو يتعاملَ معهم كما يتعاملُ مع الكفار والمشركين؟؟ وقد عُرفَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يتعرض بسوء لمن يُظهرُ الإسلام أو يتظاهرُ به، ولذلك نجدُهُ صلى الله عليه وسلم يرفض مراراً وتكراراً عروضاً من أصحابه بقتل زعماء المنافقين وقطعِ رقابهم ليس إلا لأنهم كانوا يشهدون في الظاهر بشهادة الإسلام.
ففي تبوك حين أراد بِضْعَةَ عَشَرَ منافقاً أن يمكروا بالرسول صلى الله عليه وسلم ويطرحوه من عقبةٍ في الطريق، عرضَ عليه بعضُ أصحابِهِ أن يقطعَ رؤوسَهم، فأجابهم صلى الله عليه وسلم قائلاً: إني أكره أن يقولَ الناسُ إن محمداً لما انقضت الحربُ بينه وبين المشركين وضعَ يدَه في قتل أصحابه، وعندما قال له أُسيدُ بنُ خُضير: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا بأصحاب، أجابه النبيُ صلى الله عليه وسلم: أليسوا يُظهرون شهادةَ أن لا إله إلا الله؟ أليسوا يُظهرون أني رسولُ الله؟ قال: بلى، ولا شهادة لهم، فقال صلى الله عليه وسلم: فإني نُهيتُ عن قتل أولئك”.
كان المنافقون أشد خطرا من اليهودثالثاً: إن الدخول في صراع مسلح مع المنافقين وممارسةِ القتل الجماعي أو الفردي بحق هؤلاء المعدودين من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والمحسوبين على معسكر المسلمين، سوف يُعطي أعداءَ الإسلام في الخارج سلاحاً دعائياً ممتازاً لمهاجمة الإسلام وتشويهِ سمعته، كما أنه سيعطيهم مادةً دَسِمَةً لتخويف الناس من الدخول في الإسلام بحجة أنهم لن يجدوا في هذا الدين الضماناتِ الكافيةَ على حياتهم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب معترضاً على إلحاحه عليه بممارسة أسلوب القتل ضد المنافقين وذلك في غزوة بني المصطلق عندما حاولوا إثارة الفتنة بين المسلمين وفي غيرها من المناسبات قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً عمر: “أتريد أن يتحدث الناسُ أن محمداً يقتل أصحابه؟”
وهذا حق بلا شك، فهم على المستوى السياسي والقانوني وفي نظر الناس من اتباع محمد وأصحابه، وما دام أيٌ منهم لم يمارسْ عملاً جرمياً محدداً فمن الصعب قتلُهُ أو عزلُهُ أو اتخاذُ أيِ إجراءٍ قانونيٍ بحقه.
ثالثاً: إن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين وقبولَهم أعضاءً في المجتمع الإسلامي إنما يُريدُ به المحافظةَ على من أسلمَ حقاً من أبنائهم وإخوانهم وآبائِهم وأقاربِهم حتى لا تنشأَ المشاكلُ العائليةُ الحادةُ فيما بينهم، ولا يتعرضَ المسلمون منهم للعقد النفسية، والمشكلاتِ الاجتماعيةِ التي ربما تُؤثرُ على صمودهم واستمرارهم.
وكذلك فإن اتخاذ أيِ إجراء ضِدَ المنافقين في تلك المرحلة معناه: فتحُ جبهة جديدة كان بالإمكان تجنُبُها، لأن أي إجراء ضد هؤلاء الساكتين والمسالمين ظاهراً سيدفعُهُم إلى المجاهرة بالعِداء للإسلام والمسلمين، وهم عدوٌ داخليٌ خطيرٌ جداً، يَعرفُ مواضعَ الضعف ومواطنَ القوة، ويكون بذلك قد أعطاهم المبررَ للانضمام إلى جبهة الأعداء العاملين ضد الإسلام والمسلمين، وواضحٌ أن تصرفاً كهذا ليس من الحكمة ولا من الحنكة في شيء لأنه يأتي في ظرف يحتاج فيه الإسلامُ إلى تشتيت أعدائه وتمزيقِهم حيث لا يستطيعُ مواجهتَهم جميعاً في وقت واحد.
والخلاصةْ: إن مواجهة المنافقين بالعنف والقتل والصراع المسلح في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكنْ في مصلحة الإسلام والمسلمين، ولذلك لم يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأسلوب في مواجهتهم.
المصدر: الشيخ علي دعموش