بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمداً وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين. أما بعد،
سؤال: على من تجب صدقة الفطر، وهل يشترط لوجوبها الغنى بملك نصاب معين ونرجو نبذة عن أحكامها؟
الجواب:
صدقة الفطر واجبة عند جمهور العلماء، وخاصة الحنفية منهم، إلا أن عند الجمهور هي فرض، وعند الحنفية هي واجبة والوجوب عندهم أقل رتبة من الفرض لأنه ثبت بدليل ظني لأحاديثها الظنية، ودليلها حديث إبن عمر رضي الله عنهما قال “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين” (رواه البخاري ومسلم).
وقال الإمام بدر الدين العيني صاحب كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري: (إختلف العلماء في صدقة الفطر هل هي فرض أو واجب أو سنة أو فعل خير مندوب إليه؛ فقالت طائفة: هي فرض وهم الثلاثة المذكورون هنا: الشافعي، ومالك، وأحمد وقال أصحابنا(الحنفية): وهي واجبة، وقالت طائفة: هي سنة، وهو قول مالك في رواية ذكرها صاحب الذخيرة، وقال بعضهم: هي فعل خير قد كانت واجبة ثم نسخت، واستدلوا على هذا بحديث قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. رواه النسائي، وإبن ماجه، والحاكم في المستدرك).
وصدقة الفطر عطية يراد بها المثوبة من الله تعالى سميت بها لأن بها يظهر صدق الرغبة في تلك المثوبة كالصداق يظهر به صدق رغبة الرجل في المرأة للزواج (شرح فتح القدير لكمال الدين إبن الهمام).
حكمة وجوب صدقة الفطر
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن اداها قبل الصلاة في زكاة مقبولة، ومن اداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. رواه أبو داوود وابن ماجه وصححه الحاكم، فدل الحديث على حكمة زكاة الفطر فهي للصائمين طهرة لصيامهم وشكر على نعمة الصوم، وهي للمجتمع تكافل يسد خلل المحتاجين ويدخل السرور عليهم يوم العيد.(إعلام الأنام للعتر)، ولكن من سقط عنه الصوم بعذر لم تسقط فطرته وقالوا في اخراجها قبول الصوم والنجاح والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر. (هكذا في حاشية الطحطاوي)
وقت أداء صدقة الفطر
قال الإمام الطحطاوي في حاشيته على كتاب مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح: تجب موسعاً في العمر عند أصحابنا (الحنفية) وهو الصحيح كالزكاة، وقيل: مضيقاً في يوم الفطر عيناً فبعده تكون قضاء واختاره الكمال في التحرير ورجحه في كتابه تنوير البصائر.
شروط وجوبها
وتجب صدقة الفطر على كل مسلم إذا كان مالكاً لمقدار النصاب، فاضلا عن مسكنه، وثيابه، وأثاثة، وفرسه، وسلاحه، وعبيده (الهداية شرح بداية المبتديء لبرهان الدين المرغيناني)، وهي عن نفسه لما في الصحيحين من حديث إبن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر على الذكر، والأنثى، والحر، والمملوك صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير. ويخرجها عن أولاده الصغار لأن السبب رأس يمؤنه ويلي عليه لأنه تضاف اليه فيلحق به ما هو في معناه كأولاده الصغار، إن لم يكن لهم مال فإن كان لهم مال يؤدي من مالهم عند الإمام أبي حنيفة وأبي يوسف خلافاً للإمام محمد، وهو قول الإمام زفر لأن الشرع أجراه مجرى المؤنة فأشبه النفقة، ولا يؤدي عن أولاده الكبار وإن كانوا في عياله لإنعدام الولاية، ولو أدى عنهم بغير أمرهم أجزأهم “إستحساناً” لثبوت الإذن عادة. (الهداية شرح بداية المبتديء- باب صدقة الفطر) وعبده للخدمة، ومدبره (كنز الدقائق لحافظ الدين النسفي)، وأما زوجته فلا يؤدي عنها صدقة الفطر لقصور الولاية والمؤنة فإنه لا يليها في غير حقوق النكاح ولا يمؤنها في غير الرواتب (جمع راتبه أي ثابتة من النفقة والكسوى والسكنى) خلافاً للإمام مالك، والشافعي، وأحمد (الهداية شرح بداية المبتديء- فصل ولا يؤدي عن زوجته)، سواءا كان ذكراً أو أنثى صغيراً، أو كبيراً، عبداً، كان أو حراً، وقال الإمام محمد بن حسن الشيباني في “الأصل“: ويجب على الرجل الحر، المسلم، الغني أن يؤدي صدقة الفطر عن نفسه ورقيقه كفاراً كانوا او مسلمين (خلافا للإمام الشافعي) اذا لم يكونوا للتجارة” (المحيط البرهاني لبرهان الدين البخاري الحنفي).
ولا تجب صدقة الفطر على الفقير والمسكين سواء ملك قوت يومه وقوت عياله أم لا ووجوبها على الغني لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) رواه الإمام أحمد في مسنده (2/230) من حديث أبي هريرة وإسناده حسن، حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا عبد الملك عن عطاء عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: “لا صدقة إلا عن ظهر غنى، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول” وذكره البخاري في صحيحه تعليقاً في كتاب الوصايا مقتصراً على الجملة الأولى، فقال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا صدقة الا عن ظهر غنى “وهو في الصحيحين، انتهى. (نصب الراية للزيلعي)، وقال الإمام كمال الدين إبن الهمام الحنفي: وتعليقات البخاري المجزومة لها حكم الصحة ورواه مرة مسندا بغير هذا اللفظ. ورواه البخاري في الزكاة (باب ١٩) والنفقات )باب ٢) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً “ خير الصدقة من كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول” انتهى، ورواه مسلم في الزكاة )حديث (٩٥ من حديث حكيم بن حزام مرفوعا: ”افضل الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول” (نصب الراية على أحاديث الهداية).
وشرط الغنى عام في كل الصدقات من زكاة المال، وزكاة العروض، وزكاة الماشية، وزكاة الزرع، وزكاة الفطرة، وهو من يملك نصاباً والمعنى أن شرط التصدق أن لا يكون محتاجاً ولا أهله محتاجون، ولا يكون عليه دين فإذا كان عليه دين فالواجب أن يقضي دينه، وقضاء الدين أحق من الصدقة والعتق والهبة، وليس لأحد إتلاف نفسه أو إتلاف أهله إحياء لغيره وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه وأهله، إذ هما أوجب عليه من حق سائر الناس (عمدة القاري لبدر الدين العيني – باب من تصدق وهو محتاج).
والنصاب على ثلاثة أقسام؛
١- نصاب يشترط فيه النماء وتتعلق به الزكاة، وسائر الاحكام المتعلقة بالمال النامي.
٢- ونصاب تجب به أحكام أربعة؛ حرمة الصدقة، ووجوب الأضحية، وصدقة الفطر، ونفقة الأقارب ولا يشترط فيه النمو بالتجارة ولا حولان الحول.
٣- ونصاب تثبت به حرمة السؤال وهو ما إذا كان عنده قوت يومه عند بعض وقال بعضهم هو أن يملك خمسين درهما ذكره العلامة نوح.(حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح، باب صدقة الفطر).
قيمة النصاب
– من الذهب هو عشرون مثقال اي ما يعادل ٨٥ غرام من الذهب ويعادله تقريبا من النقد اللبناني ٥٠٠٠.٠٠٠ل.ل
– من الفضة هو مائتا درهم والدرهم ٣،٥ غراما اي ما يعادل ٧٠٠ غرام من الفضة ويعادله تقريبا من النقد اللبناني بـ٨٠٠.٠٠٠ ل.ل.
وقد استدل البعض على أن صدقة الفطر تدفع من الفقير والعاجز الذي يملك أكثر من قوت يومه كالامام الشافعي وغيره بحديث ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أدوا صدقة الفطر صاعاً من قمح، أو – قال بر- عن كل إنسان صغير، أو كبير، حر، أو مملوك، غني، أو فقير، ذكر، أو أنثى، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطي”. رواه ابو داوود، واحمد، والدارقطني، وذكره البيهقي. وحديث ثعلبة ضعفه أحمد بن النعمان بن راشد، وجهالة بن أبي صعير ولو صح لا يقاوم ما رويناه في الصحة مع أن ما لا ينضبط كثرة من الروايات المشتملة على التقسيم المذكور ليس فيها الفقير فكانت تلك رواية شاذة فلا تقبل لا سيما وهي مخالفة للقياس لأن من يجب عليه شيء لا يجوز له اخذه.(فتح القدير لكمال الدين ابن الهمام باب صدقة الفطر (٢/٢٨٨) وشرح النقاية لملا علي القاريء ١/٤٠٠)))، قال محقق شرح فتح القدير الشيخ عبد الرزاق المهدي: وحديث ثعلبة بن أبي صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير عن ابيه والذي في آخره؛أما غنيكم فيزكيه الله، واما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما اعطاه الله؛ زاد الراوي سليمان بن داوود العتكي في حديثه:”غني، أو فقير”. قال الامام فخر الحسن اللكنكوهي صاحب التعليق المحمود على سنن أبي داوود: يقال ثعلبة بن عبد الله بن صعير ويقال عبد الله بن ثعلبة بن صعير مختلف في صحبته كذا قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في التقريب.
وقال المحدث ظفر أحمد العثماني التهانوي صاحب كتاب “إعلاء السنن” فيما رواه أبو داوود عن ابن أبي صغير عن أبيه قال: هذا حديث فيه اضطراب شديد كما في الجوهر النقي، ذكره البيهقي في حديث ابن أبي صغير. ثم تابع فقال: قلت: هو حديث اضطرب إسناداً ومتناً، وقد بين البيهقي بعض ذلك في هذا الباب وبعضه في باب من قال؛ يخرج من الحنطة نصف صاع، وقال صاحب التمهيد: هذا حديث مضطرب لا يثبت وليس دون الزهري في هذا الحديث من تقوم به الحجة، واختلف فيه، انتهى كلامه. ثم على تقدير ثبوته هو مخالف للأحاديث المشهورة كحديث أمرت أن آخذ الصدقة من أغنياءكم، وحديث: إنما الصدقة عن ظهر غنى وكيف تجب الصدقة على من يأخذها (١/٢٩٦).
قال الامام الدارقطني في علله: هذا حديث مختلف في اسناده ومتنه، وقال الشيخ في الإمام: وحاصل ما يعلل به هذا الحديث امران احدهما الاختلاف في اسم أبي صعير وثانيهما: الإختلاف في اللفظ.(الزيلعي باختصار شديد نصب الراية على احاديث الهداية).
جواز دفع قيمة صدقة الفطر بالنقد
قال في التنوير: وجاز دفع القيمة في زكاة، وعشر، وخراج، وفطرة، ونذر، وكفارة غير الاعتكاف. (حاشية الطحطاوي)، وقال الامام الشرنبلالي الحنفي في (كتابه مراقي الفلاح على نور الإيضاح): ويجوز دفع القيمة، وهي أفضل عند وجدان ما يحتاجه لأنها اسرع لقضاء حاجة الفقير وان كان زمن شدة فالحنطة، والشعير وما يؤكل أفضل من الدراهم.
وفي إعلام الأنام شرح بلوغ المرام قال د.نور الدين عتر: تمسك الأئمة الثلاثة بذلك وقالوا: الوارد في الحديث تقدير شرعي لا يجوز العدول عنه، وبالتالي لا يجزيء دفع القيمة ولا يُسقِطُ صدقة الفطر من الذمة. وقال الحنفية: يجوز دفع القيمة لأن فيها معنى المذكورات في الحديث ويستأنس لهم بحديث: “أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم” رواه الدارقطني، فإنه بين أن المقصود هو الإغناء.
والذي يظهر أن الأنواع المذكورات كانت في زمانهم قوتاً معتاداً للناس يدخر ويتداول نقداً كالدراهم مما يجعل مذهب الحنفية راجحاً في هذه المسألة خصوصاً في هذا الزمن حيث تغير حال الناس الآن فلا يدخرون لقوتهم شيئاً منها بل إنهم في أغلب الأمصار والمدن المتحضرة يعتمدون في قوتهم على ما تقدمه الأسواق مصنوعا فأصبح دفع القيمة في زماننا أنفع للفقير في حالات كثيرة، وتظهر الحكمة من ذكر الأصناف بتعيين قيمة غذائية كافية يدور التقدير من غيرها عليها فلا يتضرر الفقير بتغير الأسعار (باب صدقة الفطر).
وإنما تجب صدقة الفطر من أربعة أشياء ؛ من الحنطة، والشعير والتمر والزبيب كذا في خزانة المفتيين وشرح الطحاوي، وهي نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر ودقيق الحنطة والشعير وسويقهما مثلهما والخبز لا يجوز إلا باعتبار القيمة وهو الأصح، وأما الزبيب فقد ذكر في الجامع الصغير نصف صاع عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وروي عنه أيضا صاع، وهو قولهما ثم قيل: يجوز أداؤه باعتبار العين والأحوط أن يراعي فيه القيمة، هكذا قال السرخسي، ثم الدقيق أولى من البر، والدراهم أولى من الدقيق لدفع الحاجة وما سواه من الحبوب لا يجوز إلا بالقيمة، وذكر في الفتاوي أن أداء القيمة أفضل من عين المنصوص عليه، وعليه الفتوى كذا في الجوهرة النيرة (الفتاوى العالمكيرية المعروفة بالفتاوى الهندية).
المقدار الواجب في زكاة الفطر
الفطرة هي نصف صاع من بُر أو دقيق أو سويق، أو صاع من تمر أو شعير.(الكافي في الفقه الحنفي للغاوجي).
قال علي رضي الله عنه: صدقة الفطر على من جرت عليه نفقتك صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير(رواه عبد الرزاق في مصنفه والطحاوي).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا ينادي في فجاج مكة:” ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، حر أو عبد صغير أو كبير مدَّان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام(رواه الترمذي باب صدقة الفطر).
والصاع مكيال يساوي ٣٦٤٠ غراما، فنصفه يساوي ١٨٢٠ غراما. (الكافي في الفقه الحنفي).
خلاصة القول: أن صدقة الفطر لا تجب الا على الغني مالك النصاب الشرعي وأنه يجوز أن تدفع بالقيمة لا بالعين