هو مذهب لغاية نصرة السنّة وأهلها، فهو مذهب الماتريديّة للامام محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي السمرقندي (المتوفّى عام 333 هـ)، الذي ناضل المعتزلة في شرق المحيط الإسلامي (ما وراء النّهر)، متقلّداً مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه. فكانت البصرة ـ يوم ذاك ـ بندر الأهواء والعقائد، كما كانت أرض خراسان مأوى أهل الحديث ومهبطهم، حيث كانت المعتزلة بعيدة عن شرق المحيط الإسلامي، ولكن وصلت أمواج منهجهم الى تلك الديار عن طريق اختلاف العلماء بين العراق وخراسان. نرى اهتمام علماء الحنفية ـ أعني المتكلّمين منهم ـ بالماتريدي وإن قصروا في ترجمته في طبقاتهم.
نعم انتماء الماتريدي للإمام أبي حنيفة في الفقهين (الأكبر والأصغر) أمر واضح، فإنّه حنفيّ، كلاماً وفقهاً، وأكثر من نصره، بل جميعهم، من الحنفية، مثل فخر الاسلام أبي اليسر محمد بن عبد الكريم البزدوي (المتوفّى عام 493 هـ) والإمام النّسفي (المتوفّى عام 573 هـ) وغيرهم كإبن الهمام والبياضي.
منهج الماتريدي موروث من الإمام أبي حنيفة
المنهج الذي اختاره الماتريدي، وأرسى قواعده، وأوضح براهينه، هو المنهج الموروث من الإمام أبي حنيفة (م 150 هـ) في العقائد، والكلام، والفقه ومبادئه، والتاريخ يحدّثنا عن كون أبي حنيفة صاحب حلقة في الكلام.
يذكر عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب «الفَرْق بين الفِرَقِ» في كتابه الآخر «اُصول الدين» أنّ أبا حنيفة له كتاب في الرد على القدرية سمّاه «الفقه الأكبر»، والرسائل الموروثة من أبي حنيفة أكثر ممّا ذكره البغدادي.
ولمّا كانت المسائل الكلامية في ثنايا هذه الرسائل، غير مرتّبة قام أحد الماتريديّة في القرن الحادي عشر، أعني به كمال الدين أحمد البياضي الحنفي، باخراج المسائل الكلامية عن هذه الرسائل من غير تصرّف في عبارات أبي حنيفة وأسماه «إشارات المرام من عبارات الامام» ويقول فيه: «جمعتها من نصوص كتبه التي أملاها على أصحابه من الفقه الأكبر، والرسالة، والفقه الأبسط، وكتاب العالم والمتعلّم، والوصيّة، برواية…
ثمّ قال: إنّ الامام أبا منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي روى عن الطّبقة الثانية، أعني نصير بن يحيى، ومحمّد بن مقاتل الرازي، وحقّق تلك الاُصول في كتبه بقواطع الأدلّة، وأتقن التّفاريع بلوامع البراهين اليقينيّة».
هذه جذور منهجه واُسس مدرسته الكلامية بعد التعبير عن حياته فيما يلي:
ميلاده:
اتّفق المترجمون له على أنّه توفّي عام (٣٣٣هـ)، ولم يعيّنوا ميلاده، ولكن نتمكّن من تعيينه على وجه التقريب من جانب مشايخه الّذين تخرّج عليهم في الحديث، والفقه، والكلام، فإنّ أحد مشايخه كما سيوافيك، هو نصير بن يحيى البلخي (المتوفّى عام 268هـ) فلو تلقّى عنه العلم وهو ابن عشرين يكون هو من مواليد عام (٢٤٨هـ)، أو ما يقاربه.
موطنه:
قد اشتهر الامام، بالماتريدي (بضم التاء) و«ماتريد» قرية من قرى سمرقند في بلاد ما وراء النّهر (جيحون)، ويوصف بالماتريدي تارة، والسمرقندي اُخرى، ويلقب بـ «علم الهدى» لكونه في خطّ الدفاع عن السنّة.
نسبه:
ينتهي نسبه إلى الصحابي أبي أيّوب خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، مضيف النّبي الأكرم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في دار الهجرة، وقد وصفه بذلك البياضي في «إشارات المرام».
مشايخه وأساتذته:
قد أخذ العلم عن عدّة من المشايخ هم:
1 ـ أبو بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني.
2 ـ أبو نصر أحمد بن العياضي.
3 ـ نصير بن يحي.
4 ـ محمد بن مقاتل الرازي.
قال الزبيدي: تخرّج الماتريدي على الإمام أبي نصر العياضي.. ومن شيوخه الامام أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الجوزجاني صاحب الفرق، والتمييز.. ومن مشايخه محمّد بن مقاتل الرازي قاضي الريّ.
والأوّلان من تلاميذ (أبي سليمان) موسى بن سليمان الجوزجاني، وهو من تلاميذ أبي يوسف، ومحمّد بن الحسن الشيباني.
وأمّا شيخه الرابع أعني محمّد بن مقاتل، فقد تخرّج على تلميذ أبي حنيفة مباشرة، وعلى ذلك فالماتريدي يتّصل بإمامه تارة بثلاث وسائط، واُخرى بواسطتين. فعن طريق الأوّلين بوسائط ثلاث، وعن طريق الثالث (بن مقاتل) بواسطتين.
ثقافته:
إنّ ثقافته و آراءه في الفقهين، الأكبر والأصغر، ينتهي إلى إمام مذهبه «أبي حنيفة». فإنّ مشايخه الّذين أخذ عنهم العلم، عكفوا على رواية الكتب المنسوبة إليه ودراستها، وقد نقل الشيخ الكوثري أسانيد الكتب المرويّة عن أبي حنيفة عن النسخ الخطّيّة الموجودة في دار الكتب المصرية وغيرها، وفيها مشايخ الماتريدي. قال: «ومن الكتب المتوارثة عن الإمام أبي حنيفة، كتاب الفقه الأكبر رواية عليّ بن أحمد الفارسي، عن نصير بن يحيى، عن أبي مقاتل (حفص بن سالم)، وعن عصام بن يوسف، عن حمّاد بن أبي حنيفة، عن أبيه، وتمام السند في النسخة المحفوظة ضمن المجموعة الرقم (٢٢٦) بمكتبة شيخ الاسلام بالمدينة المنوّرة، ونصير بن يحيى أحد مشايخ الماتريدي كما عرفت.
ومن هذه الكتب «الفقه الأبسط» رواية أبي زكريا يحيى بن مطرف بطريق «نصير بن يحيى» عن أبي مطيع، عن أبي حنيفة، وتمام السند في المجموعتين (٢٤ و ٢١٥) بدار الكتب المصريّة.
ومن هذه الكتب «العالم والمتعلّم» رواية أبي الفضل أحمد بن علي البيكندي الحافظ، عن حاتم بن عقيل، عن الفتح بن أبي علوان، ومحمّد بن يزيد، عن الحسن بن صالح، عن أبي مقاتل حفص بن سالم السمرقندي، عن أبي حنيفة، ويرويه أبو منصور الماتريدي عن أبي بكر أحمد بن إسحاق الجوزجاني عن محمد بن مقاتل الرازي، عن أبي مقاتل، عنه، وتمام الأسانيد في مناقب الموفّق والتّأنيب (٧٣ و٨٥).
ومن تلك الرسائل رسالة أبي حنيفة إلى البتّي، رواية نصير بن يحيى، عن محمّد بن مقاتل الرازي، عن أبي مقاتل، عنه، وتمام الأسانيد في مناقب الموفق والتّأنيب (٧٣ و٨٥).
ومن تلك الرسائل رسالة أبي حنيفة إلى البتّي رواية نصير بن يحيى، عن محمّد بن سماعة، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، وبهذا السند رواية الوصيّة أيضاً، وتمام الأسانيد في نسخ دار الكتب المصرية ـ إلى أن قال: فبنور تلك الرسائل سعى أصحاب أبي حنيفة وأصحاب أصحابه في إبانة الحقّ في المعتقد .. إلى أن جاء إمام السنّة في ماوراء النهر، أبو منصور محمّد بن محمّد الماتريدي المعروف بـ (امام الهدى) فتفرّغ لتحقيق مسائلها، وتدقيق دلائلها، فأرضى بمؤلّفاته جانبي العقل والنقل في آن واحد»، ثمّ ذكر مؤلفاته.
ترى أنّ أسناد هذه الكتب والرسائل تنتهي إلى أحد مشايخ الماتريدي وقد طبع منها: «الفقه الأكبر، الرسالة، العالم والمتعلّم، والوصيّة» في مطبعة حيدرآباد عام (١٣٢١هـ).
وهذه المؤلّفات لا تتجاوز عن كونها بياناً للعقيدة وما يصحّ الإعتقاد به، من دون أن تقترن بالدليل والبرهان، ولكنّها تحوّلت من عقيدة إلى علم، على يد (الماتريدي) فهو قد حقّق الاُصول في كتبه، فكان هو متكلّم مدرسة أبي حنيفة ورئيس أهل السنّة في بلاد ما وراء النّهر، ولذلك سمّيت المدرسة باسمه، وأصبح المتكلّمون على مذهب الإمام أبي حنيفة في بلاد ما وراء النّهر، يسمّون بـ”الماتريديّين”، واقتصر إطلاق اسم أبي حنيفة على الحنفية المتخصّصين في مذهبه الفقهي.
وفي (مفتاح السعادة): «إنّ رئيس أهل السنّة والجماعة في علم الكلام رجلان: أحدهما حنفيّ، والآخر شافعي، أمّا الحنفي: فهو أبو منصور محمّد بن محمّد بن محمود الماتريدي، وأمّا الآخر الشافعي: فهو شيخ السنّة أبو الحسن الأشعري البصري».
وفي حاشية الكستلي على شرح العقائد النسفية للتفتازاني: «المشهور من أهل السنّة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار، هم الأشاعرة، وفي ديار ماوراء النهر الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العياضي، تلميذ أبي بكر الجرجاني، تلميذ محمّد بن الحسن الشيباني من أصحاب الإمام أبي حنيفة». ويقول الزبيدي: «إذا اُطلق أهل السنّة والجماعة، فالمراد هم الأشاعرة والماتريدية».
المتخرّجون عليه:
تخرّج عليه عدّة من العلماء منهم:
أ ـ أبو القاسم إسحاق بن محمّد بن إسماعيل الشهير بالحكيم السمرقندي (ت٣٤٠ هـ)
ب ـ الإمام أبو اللّيث البخاري.
ج ـ الامام أبو محمّد عبد الكريم بن موسى البزدوي، جدّ محمّد بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البزدوي مؤلّف (اُصول الدين).
يقول حفيده: «ووجدت للشيخ الامام الزاهد «أبي منصور الماتريدي السمرقندي» كتاباً في علم التوحيد على مذهب أهل السنّة، وكان من رؤساء أهل السنّة. فإنّ جدّنا كان أخذ معاني كتب أصحابنا، وكتاب التوحيد، وكتاب التأويلات من خلق عن الشيخ الإمام أبي منصور الماتريدي ـ رحمه الله ـ إلا أنّ في كتاب التوحيد الذي صنّفه الشيخ أبو منصور قليل انغلاق وتطويل، و في ترتيبه نوع تعسير لولا ذلك لاكتفينا به.
أنصار مذهبه في الأجيال اللاحقة:
1 ـ القاضي الإمام أبو اليسر محمّد بن محمّد بن الحسين عبد الكريم البزدوي (المولود عام ٤٢١ هـ، والمتوفّى في «بخارى» عام ٤٧٨ هـ) ، وقد ألّف كتاب اُصول الدين.
2 ـ أبو المعين النسفي (متوفى ٥٠٢ هـ) وهو من أعاظم أنصار ذلك المذهب، مؤلّف كتاب «تبصرة الأدلّة» يعدّ الينبوع الثاني بعد كتاب «التوحيد» للماتريدية الّذين جاءوا بعده.
3 ـ الشيخ نجم الدّين أبو حفص عمر بن محمّد (متوفى ٥٣٧ هـ) مؤلف «عقائد النّسفي» ويقال إنّه بمنزلة الفهرس لكتاب «تبصرة الأدلّة» ومع ذلك ما زال هذا الكتاب محور الدّراسة في الأزهر، وغيره، إلى يومنا هذا.
4 ـ الشيخ مسعود بن عمر التفتازاني أحد المتضلّعين في العلوم العربيّة، والمنطق، والكلام، وهو شارح «عقائد النسفي» الّذي أُلّف على منهاج الإمام الماتريدي، ولكن لم يتحقّق لي كونه ماتريديّاًً.
5 ـ الشيخ كمال الدين محمد بن همام الدين الشهير بابن الهمام (المتوفّى عام 861 هـ) صاحب كتاب «المسايرة» في علم الكلام. نشره وشرحه محمّد محيي الدين عبد الحميد وطبع بالقاهرة.
6 ـ العلامة كمال الدين أحمد البياضي الحنفي مؤلف كتاب «إشارات المرام من عبارات الإمام» أحد العلماء في القرن الحادي عشر وكتابه هذا أحد المصادر للماتريديّة.
7 ـ وأخيراً الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري المصري وكيل المشيخة الإسلاميّة في الخلافة العثمانيّة، أحد الخبراء في الحديث، والتاريخ، والملل، والنحل. له خدمات صادقة في نشر الثقافة الإسلاميّة.
مؤلّفاته وآثاره العلميّة:
سجّل المترجمون للماتريدي كتباً له وقد طبع منها اثنان:
1 ـ «كتاب التوحيد» وهو المصدر الأوّل لطلاّب المدرسة الماتريدية وشيوخها الّذين جاءوا بعد الماتريدي، واعتنقوا مذهبه، وهو يستمدّ في دعم آرائه من الكتاب، والسنّة، والعقل، وقد قام بتحقيق نصوصه ونشره الدكتور فتح اللّه خليف عام (١٩٧٠م/ ١٣٩٠هـ) وطبع الكتاب في مطابع بيروت مع فهارسه في (٤١٢) صفحة.
2 ـ «تأويلات أهل السنّة» في تفسير القرآن الكريم، وهو تفسير في نطاق العقيدة السنيّة، وقد مزجه بآرائه الفقهية والاُصولية وآراء اُستاذه الإمام أبي حنيفة، فصار بذلك تفسيراً عقيدياً فقهيّاً، وهو تفسير عامّ لجميع السور. حقّقه الدكتور إبراهيم عوضين والسيد عوضين، وطبع في القاهرة عام (٣٩٠هـ)، التفسير أسهل تناولاً، وأوضح تعبيراً.
وأمّا كتبه الاُخر فإليك بيانها:
3 ـ المقالات: حكى محقّق كتاب (التوحيد) وجود نسخة مخطوطة منه في المكتبات الغربيّة.
4 ـ مأخذ الشرايع، 5 ـ الجدل في اُصول الفقه، 6 ـ بيان وهم المعتزلة، 7 ـ ردّ كتاب الاُصول الخمسة للباهلي، 8 ـ كتاب ردّ الإمامة لبعض الروافض، 9 ـ الردّ على اُصول القرامطة، 10 ـ كتاب ردّ تهذيب الجدل للكعبي، 11 ـ رد وعيد الفسّاق للكعبي أيضاً، 12 ـ رد أوائل الأدلّة له أيضاً.
يقول الماتريدية: إنّه تعالى لو لم يبعث للناس رسولاً لوجب عليهم بعقولهم معرفته تعالى، ومعرفة وحدانيّته، واتّصافه بما يليق، وكونه محدثاً للعالم، كما روي ذلك عن أبي حنيفة.
ـ قال أبو زهرة: «إنّ منهاج الماتريدية للعقل سلطان كبير فيه من غير أيّ شطط أو إسراف، والماتريديّة في خطّ بين المعتزلة والأشاعرة…».
قال الشّيخ محمّد زاهد الكوثري: «الماتريديّة هم الوسط بين الأشاعرة والمعتزلة، وقلّما يوجد بينهم متصوّف، فالأشعريّ والماتريدي هما إماما أهل السنّة والجماعة في مشارق الأرض ومغاربها، لهم كتب لا تحصى، وغالب ما وقع بين هذين الإمامين من الخلاف من قبيل اللّفظي».
ـ قال محقّق كتاب «التّوحيد» للماتريدي، في مقدّمته: «إنّ شيخيّ السنّة يلتقيان على منهج واحد ومذهب واحد، في أهمّ مسائل علم الكلام الّتي وقع فيها الخلاف بين فرق المتكلّمين».1
عرض مذهب الماتريدي:
ولا نهدف في هذا الفصل إلى عرض كلّ ما يعتقد به الماتريدي في مجال العقائد والاُصول، وإنّما نقوم ببيان الاُصول المهمّة، أنّ الرؤية تقع «بلا كيف».
قال الماتريدي في ذلك البحث: «فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف…».
قول الماتريدي فيما قيل ان الله استولى على العرش:
الماتريدي قال: «وأمّا الأصل عندنا في ذلك أنّ اللّه تعالى قال ليس كمثله شيء» فنفى عن نفسه شبه خلقه، وقد بيّنا أنّه في فعله وصفته متعال عن الأشباه، فيجب القول بـ(الرّحمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوى) على ما جاء به التنزيل، وثبت ذلك في العقل، ثمّ لا نقطع تأويله على شيء، لاحتماله غيره مما ذكرنا، واحتماله أيضاً ما لم يبلغنا ممّا يعلم أنّه غير محتمل شبه الخلق، ونؤمن بما أراد اللّه به، وكذلك في كلّ أمر ثبت التنزيل فيه، نحو الرؤية وغير ذلك، يجب نفي الشبه عنه، والإيمان بما أراده من غير تحقيق على شيء دون شيء ، واللّه الموفِّق ».
معرفته سبحانه واجبة عقلاً:
الماتريديّة تقول بوجوبها عقلاً، قال البياضي: «ويجب بمجرّد العقل في مدة الاستدلال، معرفة وجوده، ووحدته، وعلمه، وقدرته، وكلامه، وإرادته، وحدوث العالم، ودلالة المعجزة على صدق الرّسول، ويجب تصديقه، ويحرم الكفر، والتّكذيب به، لا من البعثة وبلوغ الدعوة».
التحسين والتقبيح العقليين:
الماتريديّة تعترف بالتحسين والتقبيح ببعض مراتبهما.
قال البياضي: والحسن بمعنى استحقاق المدح والثّواب، والقبح بمعنى استحقاق الذمّ والعقاب على التكذيب عنده (أبي منصور الماتريدي) إجمالاً عقلي… ويستحيل عقلاً اتّصافه تعالى بالجور وما لا ينبغي، فلا يجوز تعذيب المطيع، ولا العفو عن الكفر، عقلاً، لمنافاته للحكمة، فيجزم العقل بعدم جوازه…
قالت الماتريديّة: أفعاله تعالى معلّلة بالمصالح والحكم تفضّلاً على العباد، فلا يلزم الاستكمال ولا وجوب الأصلح واختاره صاحب المقاصد.
الماتريدية والصفات الخبرية:
ما ذكره أبو منصور في (توحيده) يعرب بوضوح عن كون منهجه هو التنزيه ظاهراً وباطناً، فهو بعدما نقل الآراء المختلفة صار بصدد تفسير الآية (الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ اسْتَوى) فقال: إنّ الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة، وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن. جلّ عن التغيّر والزوال، والاستحالة والبطلان، إذ ذلك أمارات الحدث الّتي بها عرف حدث العالم.
ثمّ ردّ على القائلين بكونه سبحانه على العرش، بأنّه ليس في الارتفاع إلى ما يعلو من مكان للجلوس أو القيام شرف ولا علوّ، ولا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يعلو السطوح والجبال أنّه لا يستحق الرفعة على من دونه عند استواء الجوهر، فلا يجوز صرف تأويل الآية إليه مع ما فيها ذكر العظمة والجلال، إذ ذكر في قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَ الأرْضَ) (الأعراف – ٥٤) فدلّك على تعظيم العرش.
ولأجل اختلاف المفسّرين في مفاد الآية، التجأ هو إلى «تفويض معناها إلى الله»، وقال: «وأمّا الأصل عندنا في ذلك أنّ الله تعالى قال: (ليس كمثله شيء) فنفى عن نفسه، شبه خلقه، وقد بيّنا أنّه في فعله وصفته متعال عن الأشباه، فيجب القول بأنّ الرحمن على العرش استوى على ما جاء به التنزيل، وثبت ذلك في العقل. ثمّ لا نقطع تأويله على شيء لاحتمال غيره ممّا ذكرنا».
الاستطاعة قبل الفعل أو بعده: الماتريدي يفصِّل في «التّوحيد»:
«الأصل عندنا في المسمّى باسم القدرة أنّها على قسمين: أحدهما: «سلامة الأسباب وصحّة الآلات» وهي تتقدّم الأفعال، وحقيقتها ليست بمجعولة للأفعال، وإن كانت الأفعال لا تقوم إلاّ بها، لكنّها نعم من الله أكرم بها من شاء، والثاني: معنى لا يقدر على تبيّن حدِّه بشيء يصار إليه، سوى أنّه ليس إلاّ للفعل لا يجوز وجوده بحال إلاّ ويقع به الفعل عندما يقع معه»..
الماتريدي وأفعال العباد:
اتّفق المسلمون على أنّه لا خالق إلاّ اللّه واختلفوا في تفسيره في أفعال العباد و آثار الموجودات. أهل الدقّة من أهل السنّة حاولوا الجمع بين حصر الخلق في اللّه سبحانه، وصحّة تكليف العباد، فقالوا إنّ الله هو الخالق، والعبد هو الكاسب، وقد أخذوا مصطلح الكسب من الذّكر الحكيم. قال سبحانه (لهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا ما اكْتسبَتْ) (البقرة- ٢٨٦) لكنّهم اختلفوا في تفسير حقيقة الكسب.
نظريّة أبي حنيفة (شيخ الماتريدي) في الكسب: معنى الكسب لدى الماتريدي!
روى عن شيخه أبي حنيفة، قال في الفقه الأكبر: «لم يجبر أحداً من خلقه على الكفر ولا على الايمان، ولا خلقه مؤمناً ولا كافراً ولكن خلقهم أشخاصاً، والايمان والكفر فعل العباد، وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون،كسبهم على الحقيقة، واللّه خالقها».
وقال في الفقه الأبسط (على ما في بعض نسخه): «والعبد معاقب في صرف الاستطاعة الّتي أحدثها اللّه فيه، وأمر بأن يستعملها في الطاعة دون المعصية في المعصية».
هذا كلام أبي حنيفة، والماتريدي قال: اختلف منتحلو الاسلام في أفعال العباد، فمنهم من جعلها لهم مجازاً وحقيقتها للّه لوجوه:
1 ـ وجوب إضافتها إلى اللّه، على ما أُضيف إليه خلق كل شيء في الجملة، فلم
يجز أن تكون الإضافة إلى اللّه مجازاً.
2 ـ إنّ بتحقيق الفعل لغيره تشابهاً في الفعل، وقد نفى الله ذلك بقوله: (أَمْ جَعَلُوا للّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِم) (الرعد – ١٦).
قال الشيخ (الماتريدي ): وعندنا لازم تحقيق الفعل لهم (العباد) بالسمع والعقل والضرورة الّتي يصير دافع ذلك مكابراً. فأمّا السمع فله وجهان: الأمر به والنهي عنه، والثاني الوعيد فيه والوعد له. على تسمية ذلك في كلّ هذا فعلاً، من نحو قوله: (وَاعْمَلُوا ما شِئْتُم) (فصّلت -٤٠) وقوله: (افعَلُوا الخَيرَ) (الحج – ٧٧) وفي الجزاء (يُرِيهِمُ اللهُ أعْمالَهمْ حَسَرات عَلَيهِمْ) (البقرة – ١٦٧) وقوله: (جزاءً بما كانوا يَعمَلون) (الواقعة – ٢٤) وقوله: (فَمَن يَعمَلْ مِثقالَ ذَرّة) (الزلزلة – ٧) وغير ذلك مما أثبت لهم أسماء العمّال، ولفعلهم أسماء الفعل بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وليس في الإضافة إلى الله سبحانه نفي ذلك، بل هي للّه، بأن خلقها على ما هي عليه، وأوجدها بعد أن لم تكن، وللخلق على ما كسبوها وفعلوها. على أنّ الله تعالى إذا أمر ونهى، ومحال الأمر بما لا فعل للمأمور أو المنهي. قال اللّه تعالى: (إنّ اللّهَ يأْمُرُ بِالعَدلِ والإحْسان) ولو جاز الأمر بذلك بلا معنى الفعل في الحقيقة، لجاز اليوم الأمر بشيء يكون لأمس، أو للعام الأول أو بإنشاء الخلائق، وإن كان لا معنى لذلك في أمر الخلق. ثمّ في العقل قبيح إن انضاف إلى اللّه الطاعة والمعصية، وارتكاب الفواحش والمناكير وأنّه المأمور، والمنهى، والمثاب، والمعاقب، فبطل أن يكون الفعل من هذه الوجوه له، ولا قوّة إلا باللّه.
وأيضاً إنّ الله تعالى إنّما وعد الثّواب لمن أطاعه في الدُّنيا، والعقاب لمن عصاه، فإذا كان الأمران فعله فإذاً هو المُجزَى بما ذكر، وإذا كان الثّواب والعقاب حقيقة، فالائتمار والانتهاء كذلك، ولا قوّة إلاّ باللّه.
وكذلك في أنّه محال أن يأمر أحد نفسه، أو يطيعها، أو يعصيها، ومحال تسمية الله عبداً، ذليلاً، مطيعاً، عاصياً، سفيهاً، جائراً، وقد سمّى اللهُ تعالى بهذا كلِّه اُولئك الّذين أمرهم ونهاهم، فإذا صارت هذه الأسماء في التحقيق له، فيكون هو الربّ، وهو العبد، وهو الخالق والمخلوق، ولا غير ثمّة، وذلك مدفوع في السمع والعقل، ولا قوّة إلاّ باللّه.
وأيضاً إنّ كلّ أحد يعلم من نفسه أنّه مختار لما يفعله، وأنّه فاعل كاسب ـ إلى آخر ما أفاده…البزدوي يترجم مذهبه بما يلي: «قال أهل السنّة والجماعة: أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى ومفعوله، واللّه هو موجدها ومحدثها، ومنشئها، والعبد فاعل على الحقيقة، وهو ما يحصل منه باختيار وقدرة حادثين، وهذا هو فعل العبد، وفعله غير فعل اللّه تعالى». ويقول: «… واللّه تعالى أضاف الأفعال إلينا في كتابه في مواضع كثيرة. قال الله تعالى: (جَزاءً بما كانُوا يَعْمَلُون) (السجدة – ١٧) (وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها) (البقرة- ٧٢) وقال: (إذا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ) (المائدة- ٦). وكذلك نهانا عن أفعال كثيرة وأمرنا بأفعال كثيرة، فلا بدّ أن يكون لنا فعل، ويجب أن يكون ذلك بهدايته، ومشيئته، وارادته»، قال: «وقال قوم من العلماء: إنّ المؤثّر مجموع القدرة وقدرة العبد، وهذا المذهب وسط بين الجبر والقدر، وهو أقرب إلى الحقّ وإليه أشار (الإمام أبو حنيفة) بقوله كسبهم على الحقيقة والله خالقها».
صفاته:
اتّفق المسلمون على إثبات صفات ذاتيّة للّه سبحانه مثل العلم، والقدرة، والحياة. ولكن اختلفوا في كيفيّة الإثبات، يقول النّسفي: «…أكثر مشايخنا … فيقولون: إنّ اللّه تعالى، عالم، وله علم، وكذا فيما وراء ذلك من الصِّفات. والشيخ أبو منصور الماتريدي ـ رحمه الله ـ يقول: إنّ اللّه عالم بذاته، حيّ بذاته، قادر بذاته، ولا يريد منه نفي الصِّفات، لأنّه أثبت الصّفات في جميع مصنّفاته، وأتى بالدّلائل لإثباتها، ودفع شبهاتهم على وجه لا محيص للخصوم عن ذلك، غير أنّه أراد بذلك دفع وهم المغايرة، وأنّ ذاته يستحيل أن لايكون عالماً.
قال البزدوي: قال أهل السنّة والجماعة: إنّ التكوين والإيجاد صفة الله تعالى غير حادث، بل هو أزلي كالعلم والقدرة (المسألة الاُولى) والمكوّن والموجود غير التكوين، وكذا التخليق والخلق صفة الله تعالى غير حادث بل أزليّ وهو غير المخلوق (المسألة الثّانية) وكذا الرحمة والإحسان وكذا الرزق والمغفرة، وجميع صفات الفعل للّه.
وقال البياضي: وصفات الأفعال راجعة إلى صفة ذاتيّة هي التكوين، أي مبدأ الإخراج من العدم إلى الوجود، وليس بمعنى المكوّن.
قال في «اشارات المرام»: «ولا يسمع الكلام النّفسي بل الدالّ عليه، واختاره الاُستاذ ومن تبعه كما في «التبصرة» للامام أبي المعين النسفي».
أنصاره وأتباعه في الأجيال المتأخِّرة:
أنّ لمذهب الماتريدي مع كونه بصدد نصر السنّة، طابع التعقّل، وقد كثرت الدعاية في عصر ظهوره، على ضدّ أهل التعقّل والتفكّر، والإمام بما أنّه أعطى للعقل سلطاناً، فقد شاع مذهبه بين علماء ما وراء النهر، فألّفوا حول منهاجه، كتباً ورسائل منشورة وغير منشورة نأتي بترجمة عدّة منهم:
1 ـ أبو اليسر محمّد البزدوي (٤٢١ ـ ٤٩٣هـ)
أحسن مرجع للوقوف على حياته هو نفس كتابه «اُصول الدّين» الّذي حقّقه وقدّم له الدكتور «هانز بيتر لنس» ونشرته عام (١٣٨٣هـ) دار إحياء الكتب العربية في القاهرة، ونقل محقّق الكتاب أنّه وجد عن طريق المصادفة في هامش كتاب خطّي لقاسم بن قطلوبغا «طبقات الحنفيّة» بجانب مَلْزَمة عن حياة البزدوي: روى السمعاني أنّه ـ أي البزدوي ـ ولد في عام (٤٢١هـ). ويظهر من غير واحد من مواضع كتابه أنّه تلقّى العلوم على يد أبيه. ولم يكتف في تلقّي العلم بوالده، ويظهر من موضع من كتابه أنّه أخذ العلم عن غير واحد من أعلام عصره، ومنهم أبو الخطّاب. قال في مسألة (٧٥): هكذا سمعت الشيخ أبا الخطّاب.
ثقـافتــه:
ينتسب البزدوي إلى مدرسة الإمام أبي حنيفة، وهو يعترف بالصّراحة بانتمائه إلى المذهب الحنفي، كما ينتسب في العقيدة إلى مدرسة الماتريدي، وهو اُستاذ جدّ أبيه «عبد الكريم» الّذي تلقّى العلوم بدوره عن الماتريدي.
ويظهر من مقدّمة كتاب اُصول الدّين أنّه قرأ أكثر الكتب المؤلّفة في ذلك العصر … قال: «نظرت في الكتب الّتي صنّفها المتقدّمون في علم التوحيد …
…وقد وجدت للشيخ الامام الزاهد «أبي منصور الماتريدي السمرقندي» كتاباً في علم التوحيد على مذهب أهل السنّة والجماعة، وكان من رؤساء أهل السنّة والجماعة.
تلاميــذه:
قد تلقّى عنه عدّة من أكابر علماء الحنفيّة أشهرهم نجم الدين عمر بن محمّد النسفي (٤٦٠ – ٥٣٧ هـ) وهو يقول في حقّ اُستاذه: «كان أبو اليسر شيخ أقراننا في بلاد ما وراء النهر، وكان إمام الأئمّة، وكان يفد عليه الناس من كل فجّ وقد ملأ الشرق والغرب بمؤلفاته في الاُصول والفروع».
مؤلفــــاته:
له مؤلفات منها:
1 ـ تعليقة على كتاب الجامع الصغير للشيباني.
2 ـ الواقعات.
3 ـ المبسوط في بعض الفروع.
4 ـ اصول الدين المطبوع.
2 ـ النسفي ميمون بن محمّد ( ٤١٨ ـ ٥٠٨ هـ)
ميمون بن محمّد بن معبد بن مكحول، أبو المعين النسفي الحنفي، أحد المتكلّمين البارعين على منهاج الماتريدي كان بسمرقند سكن «بخارى».
تآليفه: «بحر الكلام» وهو مطبوع، و«تبصرة الأدلة» مخطوط (وهو مطبوع في تركيا ج ٢) ويقال إنّه الأصل للعقائد النسفية لأبي حفص النسفي، توجد نسخة منه في القاهرة وغيرهما من الكتب.
وقد ترجم في الجواهر المضيئة ج 2: ١٨٩، وفي الأعلام لخير الدين الزركلي ج 7: ٣٤١، و ريحانة الأدب للمدرسي ج 6٦ ص ١٧٤174، وذكر تآليفه الكاتب الجلبي في كشف الظنون.
3 ـ النسفي عمر بن محمّد (٤٦٠ ـ ٥٣٧هـ):
عمر بن محمّد بن أحمد بن إسماعيل، أبو حفص المعروف بـ «نجم الدين النسفي»، ولد بـ «نسف» وتوفّي بسمرقند، وكتابه المعروف «عقائد النسفي» من الكتب المشهورة. ولأجل ذلك كتبت عليه الشروح والتعليقات، وهو على منهاج الماتريدي. وشرحه التفتازاني، وله ترجمة في «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» لمحمّد بن عبد الحي ،ص: ١٤٩ طبع في القاهرة عام ١٣٢٤هـ. والجواهر المضيئة ج ١: ص ٣٩٤، ولسان الميزان ج٤: ص ٣٢٧، والأعلام لخير الدين الزركلي ج ٥: ص٦٠ و ريحانة الأدب للمدرسي ،ج ٦:ص١٧٣، وقد تقدّم تتلمذه على البزدويّ.
4 ـ ابن الهمام: محمد بن عبد الواحد (٧٩٠ ـ ٨١٦ هـ):
محمّد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثمّ الاسكندري، كمال الدين المعروف بابن الهمام، متكلّم حنفي، له تآليف في الكلام والفقه، وقد ألّف «المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة»، في الكلام، وهو مطبوع. حقّقه محمّد محي الدين عبد الحميد. ومن كتبه «فتح القدير» في شرح الهداية، ثمانية مجلّدات في فقه الحنفية، كما ألّف «التحرير» في اُصول الفقه وقد طبعا. له ترجمة في الفوائد البهية ص: ١٨، والجواهر المضيئة ،ج ٢:ص ٨٦، وشذرات الذهب ج٧:ص ٢٨٩ والأعلام للزركلي ج ٢:ص ٢٥٥، وغيرها.
5 ـ البياضي: كمال الدين أحمد بن حسن الرومي الحنفي ـ (القرن ١١):
هو من بيت قضاء، وفقه، وعلم، أخذ العلم ببلاده عن والده، والعلامة يحيى المنقاري، وغيرهما من أفاضلهم، وقد أُسند إليه منصب القضاء بحاضرة حلب الشهباء سنة ١٠٧٧هـ، كما تولّى قضاء مكّة عام ١٠٨٣هـ، ومن تآليفه «إشارات المرام من عبارات الامام» الّذي طبع بتقديم محمّد زاهد بن الحسن الكوثري الماتريدي في العصر الحاضر وبتحقيق يوسف عبد الرزاق سنة 1368هـ، وقد وقفت على خصوصيات الكتاب في خلال الأبحاث السابقة.
كتبه: الشيخ جعفر السبحاني