الإمام القدوري؛
هو أبو الحسين أحمد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان الفقيه البغدادي الحنفي المعروف بالقدوري، المولود سنة 362هـ والمتوفى سنة 428هجرية، فقد نسب هذا الإمام المقدم في المذهب الحنفي إلى صناعة القدور [الفوائد البهية في تراجم الحنفية , ص/57/]. وذلك بمقتضى طبيعة عصرهم وسمته حيث ينبغي أن يكون للمرء مصدر رزق حلال ولو كان كفافاً، ولا ضير أن يكون ذلك العمل بسيطاً ومتعباً كصناعة القدور وبيعها، فعلى الرغم من صعوبة هذه الصنعة فقد وفق الإمام القدوري بصورة مدهشة بين عمله الصعب والمضني وبين دراسته للفقه وطلبه للعلم وتدريس تلاميذه فيما بعد وتخصيص جزء من وقته للتصنيف والتأليف حتى خرج علينا هذا الإمام بأسفار عظيمة منها متن متين من متون المذهب الحنفي طارت بها الركبان، لا بل لمتانتها اعتبر مشايخ أهل هذا العصر أن من لم يقرأ متن القدوري فقد فاته من الفقه الحنفي الشيء الكثير.
نشأته
نشأ في بيت علم وفقه حيث كان أبوه عالما ومحدثًا، فحفظ القرآن الكريم وكان مُديمًا لتلاوته، وتعلم العلوم الشرعية المختلفة، واجتهد وفاق أقرانه حتى انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق، وبغداد التي كانت العاصمة العلمية للخلافة العباسية وقتها. وعظم عندهم قدره، وارتفع جاهه. وكان حسن العبارة في النظر، طلق اللسان، مُديمًا لتلاوة القرآن.
مختصر القدوري في فروع الحنفية
للإمام القدوري البغدادي الحنفي أوله: الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة على رسوله محمد وآله أجمعين. ..الخ, وهو الذي يطلق عليه لفظ: (الكتاب) في المذهب, وهو متن متين معتبر متداول بين الأئمة الأعيان, وشهرته تغني عن البيان.
قال صاحب مصباح أنوار الأدعية: إن الحنفية يتبركون بقراءته في أيام الوباء وهو كتاب مبارك من حفظه يكون أمينا من الفقر حتى قيل: إن من قرأه على أستاذ صالح ودعا له عند ختم الكتاب بالبركة فإنه يكون مالكا لدراهم على عدد مسائله, وفي بعض شروح المجمع: إنه مشتمل على اثني عشر ألف مسألة, وشروحه كثيرة جدا.[الجواهر المضية 1/ 247, كشف الظنون , ص/1631/]
وانظر معي أخي القارئ كيف أن الفقيه من هؤلاء كان يرجو لمن نظر في هذا المتن (المختصر) العجيب حلول النعمة وإسباغها على من قرأه فكان ذلك امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) فكانوا مع ميلهم للآخرة يرجون لمن تعلم الفقه علو الكعب في الدنيا وحصوله على رزق حسن ببركة تحصيل العلم وتعلم مسائل الفقه. وتوسموا لمن قرأ متن القدوري أن يرزقه الله اثنا عشر ألف درهم بعدد مسائلة؟
شيوخه:
1- أخذ الفقه عن ركن الإسلام أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني (ت:398هـ)، وهو أخذ عن أبي بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي، عن أبي سعيد البردعي، عن أبي علي الدَّقاق، عن أبي سهل موسى بن نصر الرازي، عن محمد بن الحسن، رحمهم الله تعالى.
2- كما أخذ الحديث عن أبي الحسين عبيد الله بن محمد الشيباني المعروف
بالحوشبي (294-375هـ).
3- كما روى الحديث كذلك عن أبي بكر محمد بن علي بن الحسن بن سويد المؤدِّب (ت:381هـ).
تلامذته:
وقد تفقه على القدوري وأخذ عنه جملة من الأعلام منهم:
1- أبو بكر أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي (392-463هـ).
2- قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن علي الدامغاني الكبير (398-478هـ).
3- أبو نصر أحمد بن محمد بن محمد المعروف بالأقطع (ت: 474هـ) وقد شرح مختصره.
4- عبد الرحمن بن محمد السرخسي (ت: 439هـ).
5- أبو الحارث محمد بن أبي الفضل السرخسي.
6- المفضل بن مسعود بن محمد بن أبي الفرج التنوخي الفقيه النحوي القاضي (ت:442هـ).
مصنفاته:
صنف الإمام القدوري جملة رائقة من المصنفات الماتعة والتي تدل على طول
باعه وعلو كعبه في الفقه نذكر منها:
1- «المختصر» المشهور، والذي يعرف عند الأحناف باسم «الكتاب» ككتاب سيبويه عند النحاة، وقد نفع الله تعالى به خلقًا لا يُحْصون، واعتُمِدَ أساسًا لاختبار المتقدمين لشغل وظائف القضاء بالحلول محل كتاب الجامع الكبير لمحمد بن الحسن الشيباني. وقد قال عنه غير واحد من العلماء: «واعلم أن هذا المختصر مما تبرك به العلماء، حتى جربوا قراءته أوقات الشدائد وأيام الطاعون» ولازال هذا المختصر يُدَّرس إلى الآن عند الحنفية وفي الأزهر الشريف.وقد كان هذا «المختصر» موضع عناية العلماء، فتناولوه بالشرح والإيضاح والنقد والاختصار، فممن شرحه إسماعيل بن الحسين البيهقي في «الكفاية» وأبونصر الأقطع تلميذ القدوري، وقام الإمام القاسم بن قطلوبغا بشرح غريب الأحاديث المذكورة في ذلك الشرح. كما شرحه كثرة كاثرة من العلماء وقد طبع من شروحه كتاب «الجوهرة النيرة» لأبي بكر محمد بن علي بن موسى الحدَّاد العبادي اليمني المتوفى سنة 800هـ. وكذلك «اللباب في شرح الكتاب» لعبدالغني الميداني المتوفى 1289هـ.
2- شرح «مختصر الكرخي» في عدة مجلدات.
3- التقريب (الأول). في خلاف أبي حنيفة وأصحابه مُجردًا عن الأدلة، في مجلد.
4- التقريب (الثاني). في خلاف أبي حنيفة وأصحابه مع ذكر أدلة كل فريق، في عدة مجلدات.
5- جزء في الحديث.
6- أدب القاضي على مذهب أبي حنيفة.
7- «التجريد» في سبعة أسفار، يشتملُ على مسائل الخلاف بين الحنفية والشافعية، شرع في إملائه يوم الأحد 23 من ذي القعدة سنة 405هـ، وهو كتاب ماتع يُعدُّ موسوعة من موسوعات كتب الخلاف والفقه المقارن وبخاصة بين الأحناف والشافعية. وتكمن أهميته وجلالته في كونه أول كتاب فقهي كبير في الخلاف والفقه المقارن، وكذا اشتماله على جملة نصوص فقهية لا وجود لأصولها الآن حيث نقلها الإمام عن كتب لا وجود لها الآن فيما بين أيدينا من الكتب. وقد طبع الكتاب طبعة محققة في 12 مجلدًا.
وقد عُدَّ القدوري في الطبقة الرابعة وهي طبقة أصحاب الترجيح من المقلدين.
وذكره أبو محمد الفامي، في «طبقات الفقهاء»، وأثنى عليه. وقال: «كان له ابن فلم يُعلمه الفقه، وكان يقول: دعوه يعش لروحه. قال: فمات وهو شاب».
وفاته:
توفي الإمام القدوري ببغداد في يوم الأحد الخامس من شهر رجب سنة 428هـ، الموافق 24 من إبريل 1037م وله ست وستون سنة ودفن من يومه في داره بدرب أبي خلف، ثم نُقِلَ إلى تربةٍ في شارع المنصور ودُفِنَ هناك بجانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي.
المؤلف: حسام عبد الله
المصدر: مركز أبحاث فقه المعاملات الإسلامية