الإمام محمد بن محمد الماتريدي السمرقندي (أبو منصور)
حياته ومؤلفاته ومكانته: الإمام أبو منصور الماتريدي هو مؤسس المذهب الماتريدي، احد مذاهب أهل السنة والجماعة، وهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي، والماتريدي نسبة إلى ماتريد، وهي محلة بسمرقند فيما وراء النهر، ولد في عهد الخليفة العباسى المتوكل الخليفة العباسي، تعلم علوم الدين منذ صغره، و تلقى علومه عن جمله من المشايخ الذين يصل سندهم في العلم إلى الإمام أبي حنيفة النعمان، وضع الكثير من المؤلفات منها – على سبيل المثال لا الحصر- في علم الكلام :
كتاب (التوحيد)، وكتاب (المقالات)، وكتاب (الرد على القرامطة)، وكتاب (بيان وهم المعتزلة)، وكتاب (رد الأصول الخمسة لأبي محمد الباهلي) وكتاب (أوائل الأدلة للكعبي) وكتاب (رد كتاب وعيد الفساق للكعبي) وكتاب (رد تهذيب الجدل للكعبي).وفي علم أصول الفقه كتاب (الجدل)، وكتاب (مأخذ الشرائع في أصول الفقه)، أما في تفسير القران الكريم فله كتاب (تأويلات أهل السنة). لقب بـ”إمام الهدى” و”إمام المتكلمين” وغيره من الألقاب، واثني عليه الكثير من العلماء، يقول الكفوي في ترجمته (إمام المتكلمين ومصحح عقائد المسلمين، نصره الله بالصراط المستقيم، فصار في نصرة الدين القويم، صنف التصانيف الجليلة، ورد أقوال أصحاب العقائد الباطلة)، ويقول كبرى زادة (إن رئيس أهل السنة و الجماعة في علم الكلام رجلان: أحدهما، حنفي والآخر شافعي، أما الحنفي فهو أبو منصور محمد بن محمد بن محمود الماتريدي إمام الهدى. وأما الآخر الشافعي فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين أبو الحسن الأشعري البصري)، اتفقت جمهرة المؤرخين على أن وفاته كانت سنة ثلاثمائة وثلاث وثلاثين للهجرة.
منهج الإمام الماتريدي في التفسير:
التمييز بين التفسير والتأويل: يميز الإمام الماتريدي بين كل من مفهومي التفسير والتأويل، فالتفسير عنده هو بيان لمراد الله تعالى، ويختص به الصحابة دون غيرهم أما التأويل فهو عنده إعمال النظر في الآيات، بقصد استنباط الوجوه التي تحتملها، دون القطع في كون أي منها هو مراد الله تعالى.
بيان المعنى الذي تحتمله الآيات: اتساقا مع تمييزه بين التفسير والتأويل، فان الإمام الماتريدي يورد الآية، ثم يذكر ما قيل في تفسيرها، من خلال ذكره أقوال أهل التفسير، ويعنى بهم الصحابة رضي الله عنهم. ثم يذكر المعاني التي تحتملها الايه، من خلال ذكره أقوال أهل التأويل ،ويعنى بهم المفسرين من غير الصحابة، وقد ينتهي إلى ترجيح أحد هذه المعاني ،أو يعرضها دون ترجيح بينها.
منهج الإمام الماتريدي في علم الكلام:
تأسيس علم الكلام السني: يعتبر الامام الماتريدي- بالاضافه الى الإمام الأشعري- من مؤسسي علم الكلام السني، الذي يقوم على الدفاع عن عقيدة أهل السنة عن طريق العقل.
الجمع بين العقل والنقل: ويقوم منهجه الكلامي على الجمع والتوفيق بين العقل والنقل، يقول في كتاب التوحيد (أن أصل ما يعرف به الدين وجهان: أحدهما السمع والآخر العقل).
أصول المذهب الماتريدي
وضع الإمام أبو منصور الماتريدي أصول المذهب الماتريدي وأهم هذه الاصول:
التنزيه ورفض التشبيه: يلتقي المذهب الماتريدي مع المذهب الأشعري في القول بالتنزيه ورفض التشبيه، وذلك بفهم الآيات التي يفيد ظاهرها التشابه بين الله تعالى والمخلوقات على معانيها المشهورة، التي يعرفها العربي من غير تأويل.
تقسيم الحسن والقبح: كما قال المذهب الماتريدي أن للأفعال حسناً أو قبحاً ذاتياً، وأن هناك بعض الأفعال التي يستقل العقل بإدراك حسنها أو قبحها، كما أن هناك أفعالاً لا سبيل لإدراك حسنها أو قبحها إلا بالشرع، ولكن في كل الأحوال لا تكليف قبل ورود الشرع.
أفعال العباد وتفسير الكسب بأنه مقدره حقيقية: ويتفق المذهب الماتريدي مع الإمام الأشعري في القول بأن الفعل الإنساني هو محصلة خلق الله تعالى وكسب الإنسان، إلا أنه خلافاً للأشعري لم يجعل الكسب مجرد اقتران بالفعل بل مقدره حقيقية على الفعل.
مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار: كما يرى المذهب الماتريدي أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، ولو مات من غير توبة، حيث يقول الماتريدي (والحق في أصحاب الذنوب من المؤمنين تفويض أمرهم إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنهم فضلاً منه وإحساناً ورحمة ، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، فلا يخلدون في النار أهل الإيمان بين الرجاء والخوف).
أفعال الله تعالى تكون على مقتضى الحكمة: ويرى المذهب الماتريدي أن أفعال الله تعالى تكون على مقتضى الحكمة ،لأنه حكيم كما وصف نفسه في حكمه التكويني والتكليفي ، أراد هذه الحكمة لكنه قصدها ،غير مجبر عليها ولا ملزم ،لأنه مختار مريد ،فلا يقال أنه يجب عليه فعل الصلاح والأصلح ، لأن الوجوب يستلزم أن يكون لغيره حقاً عليه والله تعالى ، لا يسأل عمال يفعل ، وأن عقاب العاصي وثواب الطائع لحكمة قصدها ، ومنع أن يخلف وعيده لأن الله وعد بمقتضى حكمته.
تقرير العلماء أن المذهب الماتريدي من مذاهب أهل السنة: وإذا كان بعض العلماء ، قد نفى أن يكون المذهب الماتريدي من مذاهب أهل السنة، استنادا إلى مذهب التضييق المذهبي لمصطلح أهل السنة، و الذي يقصر المصطلح على مذهب معين فان كثير من العلماء من كافه مذاهب أهل السنة، بما فيها المذهب الحنبلي – قد قرروا أن المذهب الماتريدي هو من مذاهب أهل السنة، استنادا إلى مذهب الشمول الشرعي لمصطلح أهل ألسنه، الذي يقوم على أساس أن للمصطلح دلالات متعددة خاصة وعامه، واستنادا إلى هذا فانه يرى أن وصف مذهب معين بهذا المصطلح على وجه الخصوص، لا يعنى أن هذا المصطلح مقصور عليه، لذا يجوز ان نصف به غيره من المذاهب على وجه العموم، مادامت هذه المذاهب مقيده بضوابط المصطلح الشرعية، يقول الإمام المرتضى الزبيدي (والمراد بأهل السنة هم الفرق الأربعة، المحدثون والصوفية والأشاعرة والماتريدية) (إتحاف السادة المتقين 2/ 86)، ويقول الإمام ابن حجر الهيتمي (المـراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجمـاعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي..) (الزواجر عن اقتراف الكبائر 82)،ويقول العلامة السفاريني الحنبلي.
أهل السنة والجماعة ثلاث مدارس: الأثرية، وإمامهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه، والأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري رحمه الله، والماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي رحمه الله تعالى) (لوامع الأنوار البهية 1 / 73)، ويقول العلامة المواهبي الحنبلي (طوائف أهل السنة ثلاثة: أشاعرة، وحنابلة، وماتريدية، بدليل عطف العلماء الحنابلة على الأشاعرة في كثير من الكتب الكلامية وجميع كتب الحنابلة) (العين والأثر ص/53).
د.صبري محمد خليل أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم