إنّ الكُسوفَ (كسوف الشمس) والخُسوفَ (خسوف القمر) هما آيتان من آيات الله عز وجل، يُرسلهما الله تعالى ليخيفنا بهما ويذكرنا بيوم القيامة ويحثنا على الرجوع إليه كما بين النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ” إن هذه الآيات يرسلها الله تعالى ليخوفكم بها فإذا رأيتموها فاذكروا الله تعالى واستغفروه”.
أولاً: تعريف الكسوف والخسوف:
الكسوف يكون حينما تكون الأرض والقمر والشمس على خط مستقيم تقريباً، حيث يقع القمر بين الشمس والأرض فيحجب نور الشمس أو جزءاً كبيراً منه عن الأرض وتبقى دائرة الشمس ظاهرة إلا في حالة الكسوف الكلي حيث تختفي الشمس نهائياً ولا يحدث هذا إلا نادراً.
أما الخسوف فهو حين تكون الأرض والشمس والقمر أيضاً على خط مستقيم، ولكن تتوسط الأرض هذه المرة بين القمر والشمس فتحجب نور الشمس عن القمر(الذي يستمد نوره من الشمس) فيختفي القمر جزئيّاً بسبب ظل الأرض عليه وأحياناً يختفي كليّاً.
ثانياً: كسوف الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت الشمس لموته فقال صلى الله عليه وسلم: “إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم شيئاً من هذه الأهوال فافزعوا إلى الصلاة” كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه وقال أبو موسى: “انكسفت الشمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة حتى أتى المسجد فصلّى ثم قال: إن هذه الآيات لا تُرسل لموت أحد ولكن يرسلها الله تعالى ليخوفكم بها فإذا رأيتموها فاذكروا الله تعالى واستغفروه”. (كتاب المبسوط للإمام السرخسي رحمه الله)
ثالثاً: صلاتي الكسوف والخسوف:
صلاة الكسوف سُنّة وصفتها ركعتان كسائر الصلوات أي كل ركعة بركوع واحد وسجدتين. أما عند الإمام الشافعي رحمه الله كل ركعة بركوعين وسجودين لحديث عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما: “أن النبي صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس صلّى ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات”.
ولنا حديث عبد لله بن عمر والنعمان بن بشير وأبي بكرة وسمرة بن جندب بألفاظ مختلفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى في كسوف الشمس ركعتين كأطول صلاة كان يصليها فانجلت الشمس مع فراغه منها. وقد ذُكر حديث إبراهيم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى ركعتين في الكسوف ثم كان الدعاء حتى تجلت وهو كان مقدماً في باب الإخبار فإنما يعتمد على ما يصح منها فدل أن الصحيح أنها كسائر الصلوات، ولو جاز الأخذ بما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما لجاز الأخذ بما روى جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين بست ركوعات وست سجدات. وقال علي رضي الله عنه: “صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف ركعتين بثمان ركوعات وأربع سجدات” وبالإجماع هذا غير مأخوذ به لأنه مخالف للمعهود، فكذلك ما روت عائشة وابن عباس رضي الله عنهما.
وتأويل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طول الركوع فيها فإنه عرض عليه الجنة والنار في تلك الصلاة فملّ بعض القوم فرفعوا رؤوسهم وظن من خلفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه فرفعوا رؤوسهم ثم عاد الصف المتقدم إلى الركوع اتباعا لرسول الله عليه الصلاة والسلام فركع من خلفهم أيضا وظنوا أنه ركع ركوعين في كل ركعة ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف وعائشة رضي الله عنها كانت واقفة في صف النساء وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت (والصبية يقفون خلف الرجال) فلهذا نقلا كما وقع عندهما ولو كان هذا صحيحاً لكان أمراً بخلاف المعهود فينقلها الكبار من الصحابة الذين كانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيث لم يروها أحد منهم دل أن الأمر كما قلنا.
ثم هذه الصلاة لا يقيمها بالجماعة إلا الإمام الذي يصلي بالناس الجمعة والعيدين. وإن لم يقمها الإمام صلى الناس فرادى ركعتين وإن شاؤوا أربعاً لأن هذا تطوع والأصل في التطوع أداؤها فرادى إن شاءوا ركعتين وإن شاءوا أربعا وذلك أفضل ثم إن شاءوا طولوا القراءة وإن شاءوا قصروا ثم اشتغلوا بالدعاء حتى تنجلي الشمس فإن عليهم الاشتغال بالتضرع إلى أن تنجلي وذلك بالدعاء تارة وبالقراءة أخرى، وصح في الحديث: “أن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى كان بقدر سورة البقرة وفي الركعة الثانية بقدر سورة آل عمران” فالأفضل أن تُطوّل القراءة فيها.
كما أن صلاة الكسوف بلا جهر عندنا ولنا حديث ابن عباس وسمرة بن جندب: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُسمع منه حرف من قراءته في صلاة الكسوف”. ولا تُؤدى في الأوقات المكروه الصلاة فيها لأنها تطوع كسائر التطوعات.
أما صلاة الخسوف فصفتها كصفة صلاة الكسوف، إلا أنها لا تُصلّى بجماعة لعدم ورود الأثر بذلك، وبما أن خسوف القمر يكون ليلاً فيشقُّ على الناس الاجتماع في هذا الوقت تجنُّباً للفتنة (السرقة ومواجهة الفُسّاق في الطريق الخ…) ولأن صلاة الكسوف أو الخسوف هي من التطوعات، والأصل في التطوعات أن تُؤدّى فُرادى؛ ألا ترى أن صلاة الجماعة يُؤذّن لها وتسبقها الإقامة وذلك إنما شأنه دعوة الناس عامّة لأدائها ضمن الجماعة، بينما صلوات السُّنن والنوافل والتطوعات لا يسبقها أذان أو إقامة… باستثناء صلاة التراويح في رمضان و الكسوف، وذلك لورود الأخبار عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم في تأديتها بجماعة. (كتاب المبسوط للإمام السرخسي رحمه الله)
رابعاً: ماذا عن الخطبة؟!
لا خطبة في الكسوف وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من خطبته يوم مات ابنه إبراهيم وكسفت الشمس فإنما كان للرد على من قال إنها كسفت لموته لا لأنها مشروعة؛ ولذا خطب بعد الإنجلاء، ولو كانت سنة له لخطب قبل الصلاة والدعاء.(كتاب النهر الفائق شرح كنز الدقائق)
كتبه: أحمد الأتب