غَديرُ خُم هو: موضع بين مكة والمدينة، وهو واد عند الجحفة به غدير، يقع شرق رابغ، وخم اسم رجل صباغ نسب إليه الغدير، والغدير هو مستنقع من ماء المطر.
وسبب القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن ليخمّس الغنائم ويقبض الخُمس، فلما خمّس الغنائم، كانت في الغنائم امرأة هي أفضل ما في السبي، فصارت في الخُمس، ثم إن علياً خرج ورأسه مغطى وقد اغتسل من الجنابة، فسألوه عن ذلك، فأخبرهم أن الوصيفة التي كانت في السبي صارت له فتسرَّى بها، فكره البعض ذلك منه، وقدم بريدة بن الحصيب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعله علي مع الوصيفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا؟» فَقال: نَعَمْ، قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». رواه البخاري.
فلما كانت حجة الوداع، رجع علي من اليمن ليدرك الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم، وساق معه الهدي، كما رواه مسلم. قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال: لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضي الله عنه، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم. ذكره ابن هشام في السيرة (2/603).
وروى البيهقي في دلائل النبوة (5/398) وصححه ابن كثير في البداية والنهاية (5/106) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن، فكنت ممن خرج معه فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، فكنا قد رأينا في إبلنا خللا، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين. قال: فلما فرغ علي، وانطلق من اليمن راجعا أمَّر علينا إنسانا وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي أستخلفه ما كان علي منعنا إياه نفعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذم الذي أمره ولامه، قال: فذكرت لرسول الله ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، ثم قال: مه، بعض قولك لأخيك علي، فو الله لقد علمت أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي: لا جرم والله لا أذكره بسوء أبدا سرا ولا علانية.
وإذا عرف سبب القصة ظهرت الحقيقة واضحة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل علياً رضي الله عنه إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجة الوداع، وفي سفره هذا حصلت ثلاثة أمور وجد أصحاب علي في أنفسهم عليه بسببها، وهي ما يلي:
1) غنم المسلمون غنيمة وفيها جارية جميلة، ولما قسم علي الغنيمة وقعت الجارية في سهمه فتسرى بها، فأنكر عليه أصحابه.
2) ذهب علي رضي الله عنه إلى الحج واستخلف على أصحابه رجلاً، وعمد ذلك الرجل وكسا كل واحد من أصحابه حلة من الثياب التي كانت مع علي، ولما دنا الجيش من مكة وخرج علي ليلقاهم فإذا عليهم حلل فغضب عليهم وانتزعها منهم فأظهر الجيش شكواه.
3) عندما رأى أصحاب علي رضي الله عنه أن في إبلهم ضعفاً طلبوا منه أن يركبوا إبل الصدقة ويريحوا إبلهم، فأبى ذلك، ولما ذهب علي للحج أعطاهم ذلك من استخلفه عليهم، وعندما لقيهم علي رضي الله عنه لام خليفته على تركه الجيش يركب إبل الصدقة، فعدوا ذلك غلظة من علي وتضييقاً عليهم.
فبسبب هذه الأمور الثلاثة كثر القيل والقال بين أهل المدينة في علي رضي الله عنه، ولم يرد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبرئ ساحة علي رضي الله عنه أثناء موسم الحج؛ لأن الحادثة تخص الصحابة الكرام الذين هم من أهل المدينة، وبعد فراغه صلى الله عليه وسلم من الحج، وأثناء عودته إلى المدينة، قام في الناس خطيباً في ذلك المكان الذي يدعى غدير خم، فبرأ ساحة علي رضي الله عنه، ورفع من قدره، ونبه على فضله، ونوه بشأنه؛ ليزيل ما وقر في نفوس الصحابة الذين كانوا معه في اليمن، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ المسلمين بالوصية لعلي، لفعل ذلك في أثناء الحج وفي يوم عرفة والناس مجتمعون ولم يؤجله إلى بعد الحج.
وقد اتفق المحدثون والمؤرخون أن هذه الخطبة كانت في غدير خُم أثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، ومما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الخطبة: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهو حديث متواتر رواه أحمد بن حنبل في المسند عن عدة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ورواه الترمذي، وابن ماجه، وغيرهم بأسانيد صحيحة.
وعن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع، لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: ” أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ” قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ” من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه” رواه الإمام أحمد في مسنده والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وهو حديث صحيح له أسانيد كثيرة.
وفي صحيح الإمام مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: “قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خُما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: “أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به” فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».
ومعنى قوله: ” أذكركم الله في أهل بيتي ” أي في الوصية بهم واحترامهم، وعدم ظلمهم وترك بغضهم، وكرره ثلاثا للتأكيد، قال العلامة علي القاري في مرقاة المفاتيح: ” المعنى أنبهكم حق الله في محافظتهم ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم ومحبتهم ومودتهم، وقال الطيبي: أي: أحذركم الله في شأن أهل بيتي وأقول لكم: اتقوا الله ولا تؤذوهم واحفظوهم “.
وقال أبو نعيم الأصبهاني في تثبيت الإمامة: “هذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعناه: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [الأنفال: 73]. والولي والمولى في كلام العرب واحد، والدليل عليه قوله تبارك وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11] أي لا ولي لهم، وقال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التحريم: 4]، وقال الله: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 56].
وقال البيهقي في الاعتقاد: “وأما حديث الموالاة فليس فيه نص على ولاية علي بعده، فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك هو أنه لما بعثه إلى اليمن وكثرت الشكاة منه وأظهروا بغضه؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضاً لا يعادي بعضهم بعضاً، وهو في معنى ما ثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق )”. انتهى مختصرا.
وقال المؤرخ الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (7/225): ” وأما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة أنه أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب”.
وقال إحسان إلهي ظهير في كتابه السنة والشيعة: “عقيدة الوصاية والولاية لم يأت بها القرآن ولا السنة الصحيحة الثابتة، بل اختلقها اليهود من وصاية يوشع بن نون لموسى، ونشروها بين المسلمين باسم وصاية علي كذبا وزورا وبهتانا؛ كي يتمكنوا من زرع بذور الفساد بين المسلمين” انتهى مختصرا.
ومن افتراء الرافضة على الله أنهم فسروا قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3] بأنها نزلت في غدير خم لتبين للناس أن الدين قد اكتمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالإمامة من بعده لعلي بن أبي طالب! والمعروف عند المفسرين والمحدثين أنها نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة لتبين للناس أن الله سبحانه وتعالى أكمل لهم دينهم كما ذكر ذلك إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (4/51 )، وروى البخاري ومسلم من طريق طارق بن شهاب قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا نزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: وأي آية؟ قال: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه، «نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات في يوم جمعة».
ومن الأحاديث الموضوعة ما ذكره بعضهم في تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55] أنها نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه. قال الفتني الملقب بملك المحدثين في كتابه تذكرة الموضوعات ص84: “هذا موضوع بالاتفاق” ليس يصح شيء منها بالكلية، لضعف أسانيدها وجهالة رجالها”.
إن عيد الغدير لا يعرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أصحابه ولا التابعين ولا أتباعهم، وأول من أحدثه بعد القرون الثلاثة المفضلة كما ذكر ذلك المؤرخون الثقات، قال ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ (7/245): ” وفي الثامن عشر من ذي الحجة – سنة 352- أمر معز الدولة بإظهار الزينة في البلد، وأشعلت النيران، وأظهر الفرح، وفتحت الأسواق بالليل، كما يفعل ليالي الأعياد”.
وقال مؤرخ الإسلام الذهبي في كتابه تاريخ الإسلام (26/6): “وفي ثامن عشر ذي الحجّة – سنة 352- عُمل عيد غدير خُم”.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (11/276): “وفي الثامن عشر من ذي الحجة – سنة 352- أمر معز الدولة بن بويه بإظهار الزينة في بغداد وأن تفتح الأسواق بالليل كما في الأعياد، وأن تضرب الدبادب والبوقات، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط، فرحا بعيد غدير خم، فكان وقتا عجيبا مشهودا، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة.”
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء: ” وفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة يوم عاشوراء ألزم معز الدولة الناس بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبيخ ونصبوا القباب في الأسواق، وعلقوا عليها المسوح، وأخرجوا النساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ويقمن المآتم على الحسين، وهذا أول يوم نيح عليه ببغداد، واستمرت هذه البدعة سنين، وفي هذه السنة عمل عيد غدير خم” انتهى مختصرا.
وقال المقريزي في كتابه الخطط والآثار (2/254-255): ” اعلم أن عيد الغدير لم يكن عيداً مشروعاً، ولا عمله أحد من سالف الأمّة المقتدى بهم، وأوّل ما عرف في الإسلام بالعراق أيام معز الدولة عليّ بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، فاتخذه الشيعة من حينئذ عيداً”.
المؤلف: محمد المطري