إن الكلام عن أحكام صلاة التراويح يتمحور في ما يلي:
لماذا سُمِّيَت بالتراويح؟!
الترويحة هي الجلسة في الأصل (للاستراحة)، ثم سُمِّيَت بها الأربع ركعات لأن المصلين يقعدون عقيبها للاستراحة. (الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية)
ما حُكمها؟!
هي سنة مؤكَّدة، فقد روى أسد بن عمرو عن الإمام أبي يوسف أنه قال: “سألت الإمام أبا حنيفة عن التراويح وما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه، فقال: التراويح سنة مؤكدة ولم يترَخَّصهُ سيدنا عمر رضي الله عنه من تلقاء نفسه، ولم يكن في مبتدعاً، ولم يأمر به إلا عن أصلٍ لديه، وعهدٍ من رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
وهي سنة مؤكدة على الرجال والنساء ثبتت سُنِّيَّتُها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثُرَ أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل الناس فتشَهَّد ثم قال: “أمل بعد، فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تُفرَضَ عليكم -أي صلاة التراويح- فتعجزوا عنها”، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك (أخرجه البخاري).
والدليل الآخر على سُنِّيَّتِها قوله صلى الله عليه وسلم: “عليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين من بعدي” (أخرجه أبو داوود). وقد واظب عليها أسيادنا عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: “افترض الله عليكم صيامه وسننتُ لكم قيامه” (أخرجه النسائي). وفيه ردٌّ على البعض الذين قالوا: “هي سُنَّة الرِّجال دون النِّساء”، وقول بعضهم أنها سُنَّة سيدنا عمر رضي الله عنه، لأن الصحيح أنها سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم. (مراقي الفلاح)
هل يجب أن تُصلَّى بالجماعة؟!
قال الإمام أبو الحسن القدوري رحمه الله: “ويُستَحَبُّ للناس أن يجتمعوا في شهر رمضان بعد العشاء فيُصَلِّي بهم الإمام خمس ترويحات، في كل ترويحة تسليمتان”؛ فقد ذكره الإمام بلفظ الاستحباب والأصح: أن التراويح سنة مؤكدة لقوله عليه الصلاة والسلام: “وسننت لكم قيامه”.
وأراد الإمام القدوري أن أداءها بالجماعة مستحب، ولذلك قال: “يُستحب للناس أن يجتمعوا”، ولم يقل: “تُستحب التراويح”، وإنما قال: “يجتمع الناس بعد العشاء” وهم مجتمعون لصلاة العشاء؛ لأن بعد الصلاة يتفرقون عن هيئة الصفوف، فلهذا قال: “يجتمعون” أي يرجعون صفوفا. (الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية)
ولو أقامها منفرداً في بيته لا يكون تاركاً للسنة، لأنه يُروى عن أفراد الصحابة التخلف، وقال الصدر الشهيد في المبسوط: “لو صلَّى إنسان في بيته لا يأثم، فقد فعله ابن عمر، وعروة، وسالم، والقاسم، وإبراهيم، ونافع رضي الله عنهم، فدلَّ فعل هؤلاء أن الجماعم في المسجد سنة على سبيل الكفاية، إذ لا يُظَنُّ بابن عمر رضي الله عنه ومن تبعه ترك السنة”. (مراقي الفلاح)
كيفيتها؟!
هي عشرون ركعة بعشر تسليمات (يُسَلِّم على رأس كل ركعتين) ويُستحب الجلوس بعد صلاة كل أربع ركعات بقدرها، وكذا يُستحب الجلوس بقدرها بين الترويحة الخامسة والوتر (أي عند إتمام العشرين ركعة وقبل الوتر) لأنه المتوارث عن السلف، وهم مُخّيَّرون في الجلوس بين التسبيح، والقراءة، والصلاة فُرادى، والسكوت.
وسُنَّ ختم القرآن في التراويح مرة في الشهر على الصحيح وهو قول الأكثر، وقد رواه الإمام الحسن عن الإمام الأعظم أبي حنيفة رحمهم الله تعالى، يقرأ في كل ركعة عشر آيات أو نحوها.
وعن الإمام الأعظم رحمه الله أنه كان يختم في رمضان إحدى وستين ختمة، في كل يوم ختمة وفي كل ليلة ختمة، وفي كل التراويح ختمة.
وإن ملَّ القوم بختم القرآن في الشهر، قرأ الإمام بقدر ما لا يُؤدي إلى تنفيرهم في المختار، لأن الأفضل في زماننا ما لا يُؤدّي إلى تنفير الجماعة، كذا في الاختيار. وفي المحيط: الأفضل في زماننا أن يقرأ بما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة، لأن تكثير القوم أفضل من تطويل القراءة، وبه يُفتى. وقال الإمام الزاهدي: يقرأ كما في المغرب: أي بقصار المفصَّل بعد الفاتحة، ولا يقتصر على ما دون ثلاث آيات أو آية طويلة بعد الفاتحة لترك الواجب. (مراقي الفلاح)
وقتها؟!
يبدأ وقتها بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، ويصح تقديم الوتر على التراويح، وتأخيره عنها هو أفضل. ولا يُصلّى الوتر في جماعة في غير شهر رمضان لأنه لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم في جماعة في غير شهر رمضان. وأما في رمضان فهي بجماعة أفضل من أدائها في المنزل لأن سيدنا عمر رضي الله عنه كان يؤمهم في الوتر. (الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري في فروع الحنفية).