مقالات عقائدية

أسباب شح المصادر وقلة المعلومات عن المدرسة الماتريدية في العالم العربي

لا توجد تعليقات
عدد المشاهدات 1,443 مشاهدة

بعد الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد الإسلامية، وبالأخص العربية منها، بعد سقوط الخلافة الإسلامية التي تمكن الغرب من القضاء عليها بالتعاون مع الحركات العربية التي نجحت في تكريس القومية العربية والغاء الخلافة الإسلامية ومبدئها حيث قسم رقعة العالم الإسلامي الى كيانات كُرِّست فيها الوطنية كمبدأ اساسي للشعوب، وكبديل عن الكيان الديني.

لم تسقط الخلافة الإسلامية ككيان سياسي فحسب، بل سقطت أيضاً ككيان ديني، وأورث ذلك تبعات، ومصاعب كثيرة على المسلمين، حيث كان الناس مرتبطين بعلمائهم الذين كان لهم المكانة العليا في نظام الخلافة الإسلامية، ولا سيما الحاضنة للعلم والعلماء حيث كثرت المؤلفات وكان هناك مساحة واسعة للنقاش العلمي وحرية التعبير الديني، وكانت الخلافة داعمة للمذاهب الأربعة المعتمدة، وفيما يخصص العقائد؛ فعقيدة أهل السنة والجماعة (الاشعرية والماتريدية).

لقد أورث ذلك فراغاً دينياً وكان لا بد من ملئه بأي طريقة كانت حتى يُؤَمَّن البديل للشعوب الإسلامية بعد فقدهم للكيان الديني الشرعي.

واذا ما ركزنا النظر فيما دار في العالم العربي، فإننا نجد أن الحلفاء العرب الذين تحالفوا مع المستعمر الغربي، هم انفسهم الذين ملؤوا الفراغ الديني، بدعم الجهود لاحياء المذهب ”البديل“ المنتصر، والذي كان قوامه فرقتين فكريتين، هما المدرسة التي سمت نفسها ”إصلاحية“، والتي كانت تتركز في مصر، وكان منطلقها الأزهر الشريف، والمتمثلة بشيخ الأزهر حينذاك محمد عبدو، وصديقه جمال الدين الأفغاني، والأخرى في الحجاز، وهي الحركة الوهابية الدينية المتمثلة بمحمد بن عبد الوهاب ومن جاء بعده.

هاتان الفرقتان هما المرتكزان الدينيان الى يومنا هذا في العالم العربي، والتي استطاعتا الإستيلاء على المجتمع الديني للعالم العربي، بقوة الكيانات السياسية الوطنية، التي أنشأها المستعمر الغربي مهندس أرض الإستعمار بعد سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية.

لن ندخل في التفاصيل الكثيرة، فبعد هذا الصعود حيث اعتبر العصر الذهبي لهما من زمن السبعينيات وصولاً الى العقد الأول من الألفية الثانية الميلادية، وبعدها بدأ السقوط المدوي الذي كان سببه ما تمخض عن هاتين الفرقتين من كيانات عسكرية اثخنت الجراح في المسلمين أكثر منه من غيرهم، حيث لم يقتصر التكفير والتبديع على المدرستين العقائديتين لأهل السنة والجماعة ”الأشعرية والماتريدية“، والتي كانتا تعتبران القلب النابض للدين في كيان الخلافة الاسلامية العثمانية، بل طال التكفير عامة المسلمين مما اورث نقمة كبيرة من الشعوب الإسلامية عليهما بعد ربيعهما المزعوم.

فبعد نقمة الشعوب عليهما، وتخوف الحكومات من سقوط انظمتها، وربما انتهت مهمة وجودهما عند قادة الغرب، بعدما كانتا سلعة مستهلكة تستخدم كيفما كان من قبل من مكنهم! هنا بدأت مرحلة البحث عن ”البديل“، حيث عادت الكرة مرة أخرى، حين أدرك الناس بعد مرور قرابة المائة عام، بأن هاتين الفرقتين الفكريتين كانتا عملاً زائفاً، ونتاجاً استعمارياً غربياً، أرادهما الغرب بديلاً فكرياً ودينياً عن الخلافة الإسلامية، لتثبيت الكيانات الوطنية البديلة بقيادته، وطبعا لا بديل عن الأصل لملء الفراغ، بعد استياء حكام العالم العربي مما قام به الجيل الثالث منهما من تصرفات عبثية وجرائم لا تعد ولا تحصى، ولكن هذا البحث لم يرقى الى مستوى الحكام بعد، بل ما زال هناك حساسية كبيرة وتخوف غربي منه، علماً أن أهل السنة والجماعة الأشاعرة والماتريدية لم تكن نتاجاً للخلافة الإسلامية العثمانية، بل الخلافة العثمانية هي من تبنته لانه وبكل فخر هو الإمتداد الطبيعي لأهل السنة والجماعة، حيث امتد لأكثر من ألف عام، وما زال هو النور الذي يشق طريق الحياة للناس كافة في الظلام، بل هو مطلب الشعوب الاسلامية والعربية منها خاصة، والتي ما زال في أيامه الأولى، ولم يصل الى المرحلة المطلوبة سياسياً بعد، ولكن الأيام قادمة، وسيدرك الحكام، والعالم العربي ذلك، وإن القادم لناظره لقريب…

هذا الطلب من الشعوب بدأ يتزايد حديثاً، وبدأنا نرى خطوات مهمة وعملية في عدة بلاد عربية، وابرزها اسقاط السعوديون للحالة الوهابية، وما قام به الأزهر الشريف آنفاً من اعلانه أن ”النهج الوحيد للازهر الشريف هو منهج الأشاعرة والماتريدية وطريقة الجنيد“، كما صدر هذا على لسان شيخ الأزهر آنفاً، وما قامت به بعض الجامعات الإسلامية سواء في مصر أو الأردن أو العراق أو اليمن في تشجيع طالبي الماجستير والدكتوراة في جامعاتها لكتابة البحوث العديدة في مجالي المدرستين الأشعرية والماتريدية لبرهان على ذلك.

من هنا بدأنا نرى الإقبال الشديد من عامة المسلمين، ومثقفيهم على طلب معرفة علوم المدرسة الماتريدية، والتعطش للاطلاع عليها ودراستها، وتبني أفكارها، واجتهاداتها، ففي الجانب الأشعري تعتبر وفرة المصادر الأشعرية قائمة، وتعتبر غنية في العالم العربي، ما يرجح قلة الطلب عليها موازاة بالمدرسة الماتريدية حيث أن مؤسس المدرسة الأشعرية هو الإمام ابو الحسن الأشعري، وهو عربي النسب، وقد ظهر في مركز الخلافة في بغداد، وكان له الباع، واليد الطولى في دحض العقائد المعتزلية، وانتصر للسنة والجماعة، ولشح وجود المعلومات الكافية من مؤلفات وبحوث عن الماتريدية، ولعدم وجود رموز علمية ماتريدية كافية وظاهرة في العالم العربي ممن هم عرباً ويتكلمون بلغة الضاد، كان الطلب المعرفي العربي متزايداً على المدرسة الماتريدية، وأفكارها، في ظل شح المعلومات عامة، وخاصة أن إمامنا أبو منصور الماتريدي قد ظهر في بلاد ما وراء النهر، وتحديداً في مركز الخلافة الإسلامية هناك، والتي كان مقرها ”سمرقند“، حيث نشأ في بلدته ”ماتريد“ المجاورة لسمرقند أيام السامانيين المسلمين السُّنِيِّين، وكان أعجمياً، ولم يكن لمدرسته امتدادا في العالم العربي لأسباب، من أهمها:

أنه كان هناك تشابه بين المدرستين الأشعرية والماتريدية، حيث كان الهدف واحداً في نصرة أهل السنة والجماعة، والدفاع عن عقائدها في وجه أهل البدع والأهواء من الخوارج، والمعتزلة، والشيعة القرامطة، ولهذا كانت الأهداف شبه واحدة، والإختلاف بينهما بسيطاً، وقد عده بعضهم بثلاثة عشر مسألة، ولهذا استغنى كل واحد منهما عن أن يأخذ دور الآخر في الرقعة الجغرافية المتواجد عليها على امتداد العالم الإسلامي، وكثيرا ما يُذكر الأشاعرة في العالم العربي ويدخل في عدادهم الماتريديون.

وأيضاً، فإن مؤلفات العلماء الحنفيون وعلى رأسهم علماء الكلام، كانت مؤلفات مختصرة، ومقتضبة، خاصة فيما يخص كتب التراجم والتأريخ، فقد اعتاد الماتريديون على الاقتضاب في التآليف.

وايضاً، فإن هناك كتباً كثيرةً مفقودةً، ولم يُؤتى على ذكرها الا في المؤلفات الأخرى، والسبب في ذلك الغزوات على العالم الإسلامي، وتحديداً ما قام به الإستعمار الغربي للعالم العربي، والذي أنتج سرقة التراث العلمي الإسلامي من مكتبات عدة أبرزها؛ مصر، والعراق، واسطنبول، وقد عبث بالكتب الكثيرة، وما تبقى منها، فهو القليل القليل، والله المستعان . . .

وأيضاً، فإن قلة التأليف، وقلة العلماء الماتريديون في العالم العربي، في هذا الزمن المعاصر، دفع بالشح في المؤلفات، وفي نشر المذهب توازياً مع المذهب الأشعري، وكما قلنا، فلقرب المذهبين من بعضهما البعض، لم يعطي ذلك همة عالية للماتريديين في نشر المذهب على صعيد واسع. ولا يخفى، أن الزمن قد تبدل وتغير، والظروف التي كانت قائمة سابقاً، لم تعد موجودة اليوم، ولهذا نتمنى أن نجد من المؤلفين من يهتم بالتأليف في مدرسة أهل السنة والجماعة الماتريدية، ولا أقول على المستوى العقائدي فحسب، بل على المستوى الفكري أيضاً، لابراز فضائل وميزات صفاء الإعتقاد الماتريدي وليتعلم المسلمون منهاج الحنفية الماتريدية، وكيفيته على الصعيد العقائدي.

كتبه الشيخ محمد عيد إمام وخطيب مسجد صلاح الدين في مدينة صيدا اللبنانية

وسوم: أهل السنة والجماعة, أهل السنة والجماعة الماتريدية, الحنفية الماتريدية, الشريعة الإسلامية, الماتريديون

مقالات مشابهة قد تعجبك!

لا توجد تعليقات
إمام أهل السنة والجماعة الماتريدي ومدرسته العلمية
عالم الحنفية الإمام الخوارزمي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

أسباب شح المصادر وقلة المعلومات عن المدرسة الماتريدية في العالم العربي

بعد الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد الإسلامية، وبالأخص العربية منها، بعد سقوط الخلافة الإسلامية التي تمكن الغرب من القضاء عليها بالتعاون مع الحركات العربية التي نجحت في تكريس…