كان السلطان عبد الحميد يعرف أيضًا قليلاً من اللغة الفرنسية، وكانت لغته التركية أكثر قربًا من اللغة التركية الدراجة (لغة العامة)، ولم تكن تستهويه اللغة العثمانية الثقيلة التي كان يتحدث بها الصفوة. وكان يشبه عمه “عبد العزيز” من حيث الطبع والميول والسلوكات. وكان كلامهما من حيث المكانة أكثر رجال الصفوة العليا قربًا لإلى المسلمين العثمانيين. قد يكون ورث كل من العم وابن الأخ عن أمهاتهما هذه الصفات التي تقربهما من عامة الشعب، لأن أمهاتهما أيضًا كانتا من عامة الشعب مثل أمهات أغلب السلاطين العثمانيين، مما سمح بتسلل الثقافة الشعبية إلى طبقة الصفوة بالتدريج.
لم يكن السلطان عبد الحميد رجلاً وسيمًا كأبيه، كما ذكرنا سابقًا، إلا أنه لم يكن دميمًا، وكان يتمتع بجمال الروح. ففي وجه هذا الرجل المتوسط القامة سمات خاصة؛ نظراته، عيناه البنيتا اللون ذواتا النظرات الثاقبة، أنفه المقوس ودقيق الأطراف قليلاً. وكان صوته جميلاً حسبما أشار إليهكاتب الوقائع، غليظًا قويًا به رنين رجل السلطة. كان مُقلاً في حديثه، مكثرًا في إنصاته. يبعث الطمأنينة في من يتحدث إليه، يعامل الجميع بعذوبة.
كان بشوشًا حتى مع من لا يرغب في مقابلته، ولا يبوح بضيقه منه. عُرف عنه الاتزان منذ أن خطا إلى سن الشباب. فلم يشرب الخمر. وكان يعيش حياة بسيطة بعيدة عن كل أنواع السفاهة. وكان يستمتع بالموسيقى الغربية والمسرح والأوبرا. كان يعي جيدًا الطبائع المختلفة لأولئك الذين يعملون في مناصب الدولة، ويجيد الاستفادة منهم، لذا كان يعطي كل فرد منهم المنصب الذي يتوافق مع طبيعته. “يضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة”. وكان يستشير رجال الدولة على اختلاف رؤاهم قبل أن يبدي قراره في قضايا الدولة المهمة، وأحيانًا كانت تتم مناقشة الآراء المتناقضة في مجلسه، ثم يعطي في النهاية رأيه القاطع. وفي القرارات المصيرية كان يحيل القضية إلى المجلس حتى يصدر القرار منه. كان إنسانًا متدينًا محبًا للخير. عاش حتى آخر عمره مسلمًا متدينًا. وكان شديد الكره لسفك الدماء، لم تتعد فرمانات الإعدام التي وقّع عليها أصابع اليد الواحدة طوال فترة حكمه التي استمرت 33 عامًا. ولم يكن لديه رغبة في قطع رزق أحد، حتى إنه كان يرسل لمعارضيه السياسيين الذين هربوا خارج البلاد أو تم نفيهم مثل “نامق كامل”، و”مدحت باشا” رواتب خاصة.
كان مولعًا بالتاريخ وبخاصة التاريخ الحديث. وكان يعجبه الاستماع إلى الأشخاص الذين لهم معرفة جيدة بأحداث التاريخ القريب وشخصياته أكثر من قراءتها في الكتب. وكان يؤمن بأن التاريخ هو ساحة للعبر والعظات. وانطلاقًا من هذه الرؤية كانت تقام ندوات كثيرة خلال فترة حكمه من موضوعات تاريخية، وكان قد اعتزم على انشاء ملفات خاصة تحوي وثائق تتعلق بالتطور التاريخي للقضايا الهامة.
كان أحب أجداده إليه هو السلطان “ياوز سليم خان”. ولقد عبر عن هذا الحب لـ”فيلهلم الثاني”( Wilhelm ii) إمبراطور ألمانيا في أثناء زياراته لإسطنبول، فأراد الأخير أن يستألفه فأمر عند عودته إلى بلده بطباعة “ديوان ياوز” مظهرًا فيه كل مهارات الطباعة الألمانية، وأرسل نسخة مغلفة بغلاف فاخر إلى السلطان عبد الحميد صديقه العظيم في إسطنبول.
كان مقصدًا يكره الإسراف على الرغم من سخائه، لأنه كان يعي جيدًا عاقبة السخاء بإسراف، والشجاعة بتهور. عادة كان ينام مبكرًا ويستيغظ مبكرًا –إلا في حالات اسثنائية-، ينهض قبل بزوغ الشمس، وكان على عادته يستحم، ويصلي صلاة الصبح، ثم يبتهل إلى الله بالدعوات، يقرأ ما تيسر له من القرآن الكريم.
وبعد أن يؤدي عبادته، يتناول الفطور. وكان إفطاره بسيطًا جدًا؛ فكان يشرب نصف كوب من اللبن مخلوطًا بالماء المعدني، وبعدها مباشرة يشرب قهوته يليها انكبابه على المنضدة ليباشر أعماله الرسمية حتى حوالي الساعة 11.
كانت طفولته حزينة جدًا؛ حيث فقد أمه وهو في العاشرة من عمره، وفقد والده وهو ابن 19 سنة. ولقد أنضجته تلك الأحزان التي مر بها، فجعلته أكثر اهتمامًا بدراسته، عازفًا عن اللهويات بصفة خاصة، ويحيا حياة وقورة. فكان يحب القراءة والاطلاع على كل ما حدث ويحدث في العالم. لذا كان يتجنب أي شيء يعرقله عن الإنصات بدقة لما يتحدث به المدرسون وأرباب العلم. وكان كل تركيزه في المدرسة منصبًا على دروسه. وبدأت تتشكل في ذهنه منذ هذه المرحلة أسس السياسة التي سيطبقها فيما بعد في المستقبل.
كانت ممارسة الرياضة من أحد أعماله اليومية حينما كان أميرًا. وكان فارسًا بارعًا ومصوبًا (نشانجي) ممتازًا. ويقال: إنه كان يبحر بقاربه متوجهًا إلى “قِيزْقُولَه” (برج البنات) ومن هناك يدخل البحر. وكانت مزارع شقيقته السلطانة “جميلة” الواقعة في “عَلَمْ داغْ” (Alemdağ) أعلى “طرابية” (Tarabya) من أحب الأماكن إليه. وظل حتى الأيام الأخيرة من حكمه يعمل في ورشة النجارة الخاصة به في قصره، كأمهر أُسطوات النجارة في عهده.
كان مقتصدًا. وكان الدخل الشهري المخصص له مع الإيراد الوارد له من إدارته لمزرعته يعد ثروة كبيرة من جانب ومن جانب آخر مصدرًا لإكسابه دراية وخبرة عن الإدارة وأسواق المال. وكانت ترفيهاته محدودة. وظل طوال عمره معتنيًا بصحته عازفًا عن الخمر والإفراط في الملذات. كانت ذاكرته قوية جدًا، محال أن ينسى صوتًا سمعه أو صورة شاهدها ولو مرة واحدة. وكانت ذاكرته القوية تثير الحيرة في نفوس الناس. ولاهتمامه الشديد بصحته، كانت ساعات عمله وساعات تناول الطعام ومواعيد استراحته غاية في النظام. كان في العموم -وطبقًا لتقاليد القصر- يتناول الغداء في الساعة الحادية عشرة، ويتناول وجبة المساء في الخامسة. وحينما يتم تجهيز الطعام يذهب لغرفته ليتناول الطعام مع زوجته. كان يتحاشى أن يجلس على مائدة الطعام وحيدًا، وكان يسعده تناول الطعام مع عائلته. وطوال فترة حكمه لم يفته تناول الطعام مع أهله إلا في نادر الأحوال.
وبعد الطعام كان يستلقي على الأريكة مسترخيًا من 15 إلى 20 دقيقة، ثم ينهض من جديد ليباشر الأعمال المتبقية منذ الصباح، فيمر على “السَّلاَمْلِك” ويبدأ العمل. وكان يقابل أثناء عمل الظهيرة بَاشْكَاتِبًا (رئيس الكتبة) أو الكاتب الثاني، وبعضًا من رجال الدولة. ويستمر هذا الأمر حتى المساء. وغالبًا كان يخرج إلى الحديقة عندما يحل المساء، حيث يتجول مع الباشاوات والبكوات، وأحيانًا كان يمر على “الحرم”. وأحيانًا كان يعمل في ورشة النجارة، أو يقرأ في المكتبة. وحينما توجد أعمال كثيرة وشاقة كان يظل يعمل في القصر حتى منتصف الليل. وإذا لم يكن لديه عمل، يتوجه فورًا إلى غرفة الاستراحة من بعد أن يؤدي صلاة العشاء.
كان السلطان عبد الحميد الثاني يتجنب إضاعة الوقت مثلما كان يتجنب إضاعة المال. وكان يجيد استثمار وقته، فكان يخطط ويضع جدولاً لكل شيء. وكان يدون الأشياء التي يؤديها والتي سيؤديها، بل كان أيضًا يجعل من يؤدونها يسجلونها، ويسجل كل شيء بالساعة التي تنجز فيها. كان سر النجاح في رأيه هو: أن تتحرر من الجهل لتصبح عالما.
كان قارئًا جيدًا. وكان يشعر بمتعة كبيرة من قراءة الكتب. وكان مفتونًا بالعلم؛ فحبه للقراءة الذي بدأ معه في سنوات صباه وهو ما زال أميرًا قد لازمه طوال عمره. وكان يعرف جيدًا تاريخ الدولة العثمانية بصفة خاصة. وأثناء توليه الحكم أسس مكتبة غنية جدًا بالكتب في قصر “يِلْدِزْ”، وملأها بالكتب التي تم جلبها من كل أنحاء العالم. وهذه المكتبة هي مكتبة جامعة إسطنبول حاليًا.
عادة كان يقرأ كتابًا قبل خلوده للنوم. وفيما يلي نقل لبعض ما روته عنه ابنته؛ السلطانة عائشة في مذكراتها بهذا الصدد: “كنت كل ليلة في غرفتي أكلف من يقرأ لي كتابًا لأتخلص من الأعباء الثقيلة التي تشغلني نهارًا، ولأبدد عني أفكاري وهمومي، ولأشغل ذهني بأشياء أخرى، لأنعم بنوم هادئ. ولكن حينما كان ما أقرؤه جذابًا، يهرب كل نومي. لذا ألزمت فريقًا بترجمت بعض الروايات لهذا الغرض”. ويضيف ضاحكًا: “كانت مربيتي تهدهدني في طفولتي، والآن تؤثر الكتب التي أقرؤها التأثير نفسه. كنت أنصت لنصفها وأغط في النوم قبل أن أتمكن من سماع نصفها الآخر. وهكذا أصبحت القراءة هي حبوبي المنومة”.
كانت حياته العائلية هادئة جدًا؛ فكان نموذجًا للسلطان ونموذجًا لرب الأسرة. وكان يحب الأطفال جدًا ويتواصل معهم ويعاملهم بأبوة ولا يتجاهلهم. توفي أحد أولاده محترقًا، وآخر مات بمرض لم يتمكن أحد من تشخيصه، فحزن كثيرًا. وقال: “لم يتمكن أحد من إنقاذ ابني، فما بال أطفال الفقراء؟ فلآمُرْ -على الأقل- بإقامة مستشفى لكيلا تحترق قلوب آباء آخرين مثلما احترق قلبي”. وبالفعل بنى مستشفى الحميدية للاطفال، المعروفة اليوم باسم مستشفى “شِيشْلِي” للأطفال، وعيّن فيها صفوة الأطباء، وجهزها بأحدث الأجهزة التي جلبها من “ألمانيا”. وهكذا أنقذ قلوب الكثير من الآباء من الاحتراق على أطفالهم، وفاز بدعواتهم له.
بذل السلطان عبد الحميد الثاني جهدًا كبيرًا فيما يخص تربية الأطفال وتعليمهم. ولقد أفرد لأطفاله مدرسين مخصوصين لتعليمهم، وكان يتبع أسلوبًا شديد الدقة في تعليمهم. وحينما يتوفر له الوقت كان يستدعي من يريد من بناته ليتحدث معها. ولم يكن يسمح قط لزوجاته أو لبناته بالتدخل في الشؤون الرسمية، لاعتقاده أن في هذا التدخل مضرة للدولة. وكان رأيه فيما يتعلق بتربية الأطفال أنه “يجب أن لا يفضح الأطفال ولا تذكر مساويهم في وجوههم، بل يجب على الأمهات أن تنبهن أولادهن”.
وكان يحب أن ترتدي بناته الملابس البسيطة جدًا البعيدة عن البهرجة، قائلاً: “يجب على الفتيات أن يتحركن في رزانة وهدوء”. وكان يكره حديثهن بصوت عال، وإشارات اليد. وكان يسعى لتعليمهن التعامل باحترام مع أمهاتهن ومع إخوتهن ومن يكبرونهن، وأن يحافظن على دورهن ولا يتخطين من أمامهن. ولم يكن يحبذ تدليلهن. أما بالنسبة للذكور من أولاده فكان يقول: “إن الولد الذكر لا بد ان تتم تربيته وكأنه رجل”.
عرف حبه للنجارة ورسم المناظر الطبيعية، وكان كلما توفر لديه الوقت يعمل في ورشة النجارة الخاصة به. له عدة آثار كان بعضها مزينًا بالصدف وبعضها محفورًا، وهذه الآثار محفوظة في قصر “يِلْدِزْ”.
مثلما ذكر سابقًا، فإن ولعه بالنجارة بدأ منذ عهد والده. كان يوجد آنذاك حرفي موهوب في حرفته يدعى “خليل أفندي”. فتعلم منه دروس النجارة مما تعلم منه من قبل والده السلطان “عبد الحميد”، وكانا يعملان معًا. وأقام قي القصر ورشة للنجارة. وكان العمل هناك هواية من أكبر الهوايات التي تمتعه. وكان السلطان يهوى أيضًا صناعة الخزف الصيني. وكان يهادي بمنتجاته اليدوية -سواء الخشبية أو التي هي من الخزف الصيني- رجال الدول الأجنبية.
وكان أيضًا تاجرًا ماهرًا جدًا؛ فمنذ أن كان أميرًا كان يدير المزرعة، ويكسب منها دخلاً كثيرًا؛ حتى إنه لما تولى العرش عام (1876) وزع منحة الجلوس على العرش والتي بلغت 60000 ليرة من ماله الخاص، وهكذا وفر لخزينة الدولة مبلغًا كبيرًا من المال. وكان يؤيد أن يكون لكل إنسان مهنته الخاصة به، وكان يقول: “اعمل، اسع، اجتهد… ليكن لك مهنة، حتى ولو كنت ملكًا…”.
كان شديد التواضع، لا يرى نفسه أفضل من الآخرين، وكان يكره المتكبرين. وكان التذرع بالصبر وقوة الاحتمال في التعامل مع الأحداث غير المرغوب فيها، وحل المشكلات بالحفاظ على هدوء الأعصاب ورباطة الجأش من سماته ومن أسرار قدراته القيادية المهمة.
كان عبد الحميد خان الثاني عاشقًا لأمته؛ يؤلم قلبه وقوع أي أذى لأي شخص لأي سبب، يعمل ليلاً ونهارًا من أجمل سلامة الوطن والأمة، ويضحي بحقه من الراحة ويظل بلا نوم. وفي هذا الصدد تقول ابنته السلطانة “شادية”: “كان والدي يحب أمّته لدرجة الوله، وكان حبه نابعًا من القلب واضحًا على ملامح وجهه؛ حينما يستخدم كلماته “صغيري أحمد”، “صغيري محمد” وكأنه يخاطب أولاده. إنني أتذكر حربًا واحدة أثناء فترة حكم والدي، وهي حرب اليونان 1897، كنت آنذاك طفلة. وحسبما أتذكر، فإنه تم إحضار وتوزيع كميات كثيرة جدًا من الأقمشة الكتانية على الغرف التي في “الحرم”، وتمت حياكتها ليلاً من أجل الجنود الجرحي. كنا نقف مع الخدم جنبًا إلى جنب أمام ماكينات الخياطة منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعات نومنا، نحاول إنجاز العدد المطلوب من الملابس. استمر هذا العمل الدؤوب طوال فترة الحرب. وكنت أقوم بخياطة الأزرار في القماش، أعتقد من وجهة نظري أنني أؤدي عملاً عظميًا. كان والدي يأتي إلينا ويهنئنا على العمل الذي ننجزه ويردف قائلاً: “يا أولادي! فليحفظ الله وطننا من كيد الأعداء!”. كانت تلك الكلمات تمدنا بالقوة والحماس. كما ننصت له وعيوننا منصبة على ماكيناتنا وإبرنا، لكيلا نضيع الوقت… كم كان والدي يردد كلمة: “الوطن! الوطن!” كرر هذه الكلمات كثيرًا جدًا…”.
كان موهوبًا أيضًا في اكتساب ود الجميع، حيث كان يجلب مودتهم بالهدايا التي يعطيها لإعدائه وأصدقائه، بالبشاشة التي تعلو وجهه، بحديثه الحلو، بمودته، بشخصيته المتواضعة البعيدة عن الغرور.. كل هذا مكنه من تأسيس أواصر المحبة بينه وبين الأخرين.
وفي هذه النقطة أيضًا فإنه فضلاً عن شهرته في دهائه السياسي فقد اشتهر بذكائه الخارق، وذاكرته القوية أيضًا. ولأنه لكل جواد كبوة فلا يخلو هذا الذكاء الخارق من الجوانب المعيبة، وعلى رأسها الوهم. ولكن بشكل عام هناك اتفاق على كونه ذا خبرة ودهاء وذكاء يفوق ذكاء رجال الدولة في عصره. وكان تأثيره على الناس دائمًا محط الإعجاب.
كان -كوالده- لطيفًا في علاقاته الشخصية، يقف احترامًا عند استقبال أي شخص. منع منعًا باتًا عادة القرون الوسطى مثل تقبيل الأرض عند مقابلته، كان مقنعًا جدًا، مهيب الصوت، حلو الحديث جدًا. لم يكن يخاطب بالضمير “أنت” أي أحد حتى أطفاله، وكانت تلك الصفات أحد أسباب سلطته الشخصية التي تزيد عن 30 سنة. وبرغم الدعيات التي انتشرت في أوربا عن الحكام الأتراك إلا أن الأجانب الذين عرفوا عن قرب شخص السلطان “عبد الحميد”، صرحوا بأنهم تقابلوا وجهًا لوجه مع شخصية لم يتوقعوها أبدًا، ولم ينسوا ما انطبع عنه في ذاكرتهم.
إن الدول والمؤسسات تتطور بالكوادر المتناغمة التي تنذر نفسها لرسالتها، وتستجيب للأوامر ولكن في نفس الوقت تعتبر عن أفكارها بوضوح كلما اقتضى الأمر. فالكوادر القوية، والوزراء والمعاونون الأكفاء لهم ثروة لا تقدر بثمن. ويتعسر النجاح على القائد المحروم من مثل هذه الثروة. فكان السلطان عبد الحميد الثاني من القادة النادرين والذين تخطوا هذه العقبة على الرغم من الصعوبات.
كان شديد الاهتمام بتنفيذ أحكام الإسلام، واجتناب نواهيه. ولم يكن يدخر جهدًا في بذل أي جهد من شأنه حفظ دين المسلمين وذويهم، ووأد أي شيء يضر الوطن داخليًا وخارجيًا.
تحكي ابنته السلطانة “شادية”: “كان -والدي- رجلاً معافى الجسد، يمتلك قوامًا سليمًا، وجسدًا رياضيًا. إنني أتذكر في طفولتي أنه مرض مرة واحدة فقط. كان قليل النوم. يستيقظ قبل الفجر.يؤدي الصلوات الخمس، ودائمًا يتلو القرآن، ويطالع صحيح البخاري. كان مسلمًا حقًا، متدينًا، قريبًا من الله تعالى. دائمًا على وضوء. لا يمل العمل”.
كان يطلب من خدامه ان يوقظوه في أي ساعة من الليل، عند حدوث أي أمر طارئ، لأنه كان يرفض أن يؤجل عمل اليوم إلى الغد تحت أي ظرف. وباختصار فإن الفرق الشاسع الذي تميز به عبد الحميد خان الثاني عن السلاطين في العهود الأخيرة هو مباشرته لإدارته للدولة بالفعل، وكونه رمزًا لفكر، وصاحب شخصية مشعة بالأمل للمجتمع. بهذه الصفات كان السلطان عبد الحميد الثاني في الحقيقة من وجهة نظر المجتمع العثماني سلطانًا غير تقليدي، ينأى بفكره عن القوالب الجامدة. كان صاحب شخصية حساسة جمع في نفسه المتناقضات، وعلى الرغم من قدرته على اللعب على كل الأوتار، إلا أنه كان يسير بعزم وبإصرار في الطريق الذي يعرفه.
عند تأملنا لكل هذه الآراء، ومثلما أوضح (M. Ali Kılıçbay)، فإن العثمانيين قد عاشوا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني أكثف فترات الاتجاه للغرب، وأحرزوا تقدمًا فيه على الرغم من الاتهامات الموجهة إليه بأنه وضع نظامًا استبداديًا.
عائلته
زوجاته
- نازك أدا باش قادن أفندي.
- بدرِ فَلَك باش قادن أفندي.
- صافيناز نور أفسون قادن أفندي.
- بيدار قادن أفندي.
- دلبسند قادن أفندي.
- مازيده مستان قادن أفندي.
- أمثال النور قادن أفندي.
- عائشة دستى زر مشفقة (كايخان) قادن أفندي.
أولاده
الذكور
- محمد سليم أفندي.
- محمد عبد القادر أفندي.
- أحمد نوري أفندي.
- محمد برهان الدين أفندي.
- عبد الرحيم خيري أفندي.
- أحمد نور الدين أفندي.
- محمد بدر الدين أفندي.
- محمد عابد أفندي.
الإناث
- السلطانة علوية.
- السلطانة نائلة.
- السلطانة ذكية.
- السلطانة فاطمة نعيمه.
- السلطانة سنية.
- السلطانة سنيحة.
- السلطانة شادية.
- السلطانة عائشة.
- السلطانة رفيقة.
- السلطانة علية.
- السلطانة جميلة.
- السلطانة ساميه.
بقلم: د. سيف الله آرباجي